
هي حروب داخلية تحدث في الساحة الشعبية، قد تنشب بين طرفين أوعدة أطراف مما يؤدي إلى حدوث انقسام الجماعات الشعرية المختلفة من بين مؤيد ومعارض، فتتولد على أثر ذلك الفتن، والإضطرابات الداخلية، والاشتباكات الشعرية والكلامية التي تخلف كوارثا فكرية وأخلاقية مدمرة علئى المدى القريب والبعيد.. ولو عدنا إلى تاريخ الحروب الأهلية الشعرية لوجدناه قديما قدم تواجد الشعر النبطي على الخريطة الأدبية وليس وليد هذه الحقبة المليونية كما يعتقد البعض، ومن أهم مظاهره السب، والقذف، واللعن في قالبٍ شعري مثقوب تتقاطر منه الحروف الآثمة، وتتساقط منه الكلمات البذيئة، وتنبعث منه الروائح التعبيرية النتنة وكل ذلك تحت مسمى «الهجاء» وماهو بهجاء، بل رياحا هوجاء جالبة للكوارث والنكبات الشعرية والفكرية، رياحا تحمل شرا مستطيرا يأخذ في طريقه كل أخضر ٍ ويابس..
ولو عرجنا إلى أسباب نشوء تلك الحروب لوجدناها إما نفسية «كالحسد، أوالغرور، أوعقدة الشعور بالنقص، أوحب السيطرة، أوفرض السيادة، أو الأخذ بالثأر من جراء مناوشات كلامية..»، وإما قبلية، أو سياسية، أو تتعلق بما يصب في خزان المصلحة من جاه، أو مال، أو منصب، أوشهرة، أو خوّة.. إلخ، وفي أحيان أخرى يكون سبب نشوء تلك الحرب هو الثورة على وضع سلبي معين يتطلب الأمر تصحيحه ولم تجد معه السبل السلمية، أو الثورة على فئة ضالة إنتهكت حقوقا كثيرا بإسم المسئولية الجوفاء، أو بسبب ظلم جارح لحق بأحد الأطراف إستوجب مداواته بالتي كانت هي الداء...
وقد تتحين قوى خارجية فرصة وجود صدام شعري بين أطراف معينة فتدخل كطرف محايد أو معارض أو مؤيد لأحدهما من أجل تحقيق مصالح أو مآرب معينة، فتسوّل لها مصلحتها تصعيد ذاك الصدام وإشعال فتيل الحرب النفسية بين الطرفين لتحقيق مبتغاها، أو قد تثأر إحدى القوى لنفسها من جراء موقف معين باستخدامها لكبش فداء يدفع خصيمها عنها بقرنه الثائر، ربما لأنها وجدت في تدخلها المباشر خطر أن تهتز صورتها في مياهها الراكدة عندما يرميها أحد خصومها بحجارة دامغة!
المحزن، بل المخزي في الأمر نشوب فتن وتحريضات تصاعدت أدخنتها وملأت الأنوف إستياءا وإمتعاضا، وهناك العديد ممن يمارسون هواية إشعال الفتن حتى الإحراق خصوصا وأن ضمائرهم تغط في سبات عميق في ظل تيقّظ أرواحهم الخبيثة في عالم المكائد والشرور، فقد أعانوا الشياطين على أنفسهم التي تكاد تخلوا من مخافة الله، فماذا بعد التجرّد من مخافته غير سبيل الضلال والإضلال والتضليل؟!
والمؤسف في نهاية الأمر هو ماتخلفه تلك الحروب من دمار نفسي ومادي وشخصي على جميع الأطراف، أما بالنسبة للخسائر فهي بلا شك ستكون فادحة وقد لايكون هناك سبيل لتعويضها، وأولها خسارة النفس وخسارة الضمير، وخسارة القلوب التي نبضت حبا، ثم نبضت بغضا بعد أن عاشت في أجواء الحروب غير المحببة لنفسها التي تنشد الأمن، والراحة، والإستقرار، والتسامح، بل والتطور وليس التأخر..
وأما الإنسلاخ من الدين، والهوية، والعادات السامية، والتقاليد الأصيلة فهي الطامة الأكبر من الكبرى عندما تراق على أرصفة اللامبالاة بين جثث العديد من الضحايا العُزّل من الشرور وحب المكائد..
وماذا بعد..؟ هل ستنتهي الحروب الأهلية الشعرية يوما؟ أم أنها ستكون إحدى علامات الساحة الكبرى التي ستعقبها النهاية الغير المرجوّة لكل ماهو جميل؟ أم أن الغيورين على الشعر سيقفون وقفة تاريخية سلميّة مشرّفة للإبقاء على حياة الساحة الشعرية، وسينذرون أنفسهم لتقريب القلوب وإصلاح ماأفسدته الحروب؟
ظما الوجدان
dhema_alwejdan@hotmail.com