يقول الفليحي :
حط البريق وقلّط الدلّتيني
والثالثة إركه على حامي النّار
يبرالهن ممّا تحوش اليديني
ومن ماوجد له مايخفّى على الجار
ولأنه الجار صاحب المنزلة الرفيعة عند الفليحي فأننا لانستطيع أن نبدأ كما نريد , لأننا سنكون في حيرة بحجم هذا الشاعر ولانعلم من أين ستكون البداية الصحيحة لرجل بمقامة ومنزلته وشاعريته , فقد يخوننا الإختيار أحياناً ولكن ماخفي كان أعظم ، اذ كان دائماً يردد بصوت قد أدماه الأنتظار ويدعو :
يالله تجيب القريب الزين
اللي لطيفٍ مثل عالي
وإلا محمد ابن عجوين
من روس ماضين الأفعالي
فـــ عالي و ابن عجوين من جيرانه الذين رحلوا لطلب العيش فتوجد عليهم وحن لهم فلما وصلت القصيده محمد بن عجوين الرشيدي أرسل له هذه الأبيات
يا راكبن حمراء عليها اللواليح
مده ومماسيها خشوم الرعيله
تلفي لربعٍ عادته هبت الريح
ربع الفليحي حي هاكالقبيله
وابو مهنا ياهبا خامد الريح
ينبي كما حراً براس الطويله
له دلةٍ تركا على حامي الريح
ياما صفق من بثلها بالنثيله
ياما ذبح من عين كبش المصاليح
وإن ما لقا عنده يدور بديله
عبده مقزية العداء بالمصابيح
بركضاتهم كم طلقوا من حليله
يافلو البيرق بايمن طليفيح
ياسعد من راجت خليلٍ خليله
ونعمٍ بشمر كاسبين التماديح
نعم بهم ياحييها من قبيله
لم يقف القدر إلى هذا الحد فلقد أكمل مافرض عليه رب السموات والأرض برحيل أحبابه الذين كانوا كالمطر لقلب الفليحي , ويقول رحمه الله عندما أوصى غلام بعد أن ركب ذلوله مصوراً راحلته ..
ياراكب حمراء تجيبه حظيبي
فيحاء تبوج القاع من عجل ممشاه
وتنف بذيلٍ مثل نف العسيبي
ودفوفها مثل الوسايد مدحّاه
ياروّحة مع سهلةٍ تقل ذيبي
ياشاف سعساع الخلا سمرة الشاه
وإلا الرقيعي بالهبوب الصليبي
أو موت شاحوفٍ كفا الغرب من ماه
وقال موصفاً الغلام :
عليه من يدّي كلامٍ غريبي
للي قبلهم كايد الهم يجلاه
عليه غلامٍ بالخلا مايهيبي
دليل عيراتٍ عن العوم يقداه
فطلب من الغلام أن يبشره بقوله:
عجل عليا بالخبر يانديبي
وبيوتهم بأيا المناحي مبناه
وش حالهم ياعل حالك تطيبي
بشر بعلم اللي تسرّن حكاياه
إلى أن قال رحمه الله
تهوّل المخلوق من لفع شيبي
وكلٍ يقول مشيّبٍ وش هاللي جاه
لو تدري يالمخلوق عن لفع شيبي
غباينٍ ندرى بيانه ونطماه
لاجت من الأقراب ماله طبيبي
ولو هي من الزول المناظر دويناه
خطو الولد يزعم بهرج مصيبي
يبي يفتح له عيونه وهو أعماه
والمرجله مرقاه عسر تعيبي
ولد الردي ماظنتي له تمثناه
من هذه الأبيات التي نقطتفها لكم من واحة الفليحي ماهي إلا عناقيد حياته التي عاشها وترجمها بأحاسيسه المرهفة
كان هناك رجلٌ يدعى فرج بن مكيمن يسقي الناس من بئره له من قلب الفليحي نصيب من الكلمات التي تعبر عن كرم هذا الرجل وعن قبيلته , فقال :
إنصوا فرج ياهل الصملان
تروون قراح بلا منه
أبو حمد مشبع الجيعان
كل الضوامي يمرنه
ومن مال منكم على القفعان
تلقى المباهير له بنه
تر منقع الطيب ابن غضبان
عند اللزم مايتعدنه
وأبوه قبله خذا قطعان
يامودع الخلج له حنه
يالله يامبري الوجعان
ياخالق النار والجنه
تنشي مزون لها ضيان
دار الغفيلات يسقنه
من لايشكر الناس لايشكر الله للرجال نصيب في قريحة الشعراء فهاهم هل الحيزا أخوان ميثاء يسطعون في أروع ماكتب الفليحي
على الجبل عسى تهل الهماليل
ترجع على الأوطان وأرض الطوالي
من أرض العدو للفات يوجد من السيل
عسى على كحله يسوق الخيالي
وعسى الخريزا يسقينه مخاييل
غر وتدهن للقراح الزلالي
هذا مداهن للرجال المشاكيل
ولأخوات ميثاء مبهرين الدلالي
ونعم بـ هل الحيزا ليا كضك الميل
وبيوتهم ترخص غوال الحلالي
يملك هذا الشاعر وجدان بعيد المدى فتجده في معظم قصائده يتوجد على القريب والبعيد ، له حفيد إسمه مطير ذهب مع مجموعة من البدو لتتبع المطر فلما زاد بشاعرنا الحنين وطال غياب حفيده مر على بيت أهله وأنشد قائلاً:
يامطير من شديت وعني تنحيت
يم الحجر عني تناويت الابعاد
لاجيت مضرب بيتكم بس ونيت
ماتقل انا عند الاجاويد ببلاد
ولاذوق نوم الليل لاحل طاريك
بالقلب هاجوس وبالكبد قداد
فبروعة تصويره وظف نفسه كالساقط من على فرسه داخل ميدان المعركه وقال:
سقطت سقطة مفخت الغزو وخليت
أخطوا الركاب وعاودوا نذر الأوعاد
ولاجاء هله علم هو حي أو ميت
ماحاس طلقين اليماني للأذواد
فبعد كل عسر يسر هكذا تعلمناه
من هذا الشاعر عندما يصور حالته المزريه وينعشها بقدرة الخالق
وصلاة ربي كل ما اصبحت وامسيت
غر يسيّل للدعث هو والاجلاد
بأمر الكريم مدبر الحي والميت
يصدق ليا من الولي بالمطر عاد
ينبت عذي النبت من كل مريت
وعقب المحل يشتاق له كل روّاد
وفي اواسط عام 1340 من الهجره إنتشرت حركة الأخوان ،التي صاحبها الكثير من الجهل بسماحة الدين عن البعض الذين قد يبررون القتل تحت ذريعة الدين دون معرفتهم بحرمة الدم . ففي سنه من سنوات الجهل داهم مجموعة منهم مسجدا في قريه تسمى ( الشعيبة ) شمال شرق حائل وهم يصلون التراويح في شهر رمضان فقتلوا جميع من في المسجد ونهبوا كل الأطفال الذكور فدعت عجوز عليهم بعدة ابيات تعبر عن ماحدث في هذا اليوم :
ياعل دار حل به ذبح الأجواد
تاخذ ثمان سنين ماسال وادي
وتاخذ ثمان سنين ماجاه رعاد
يسكر هواه ولايطير السمادي
ذبحوا هل المسجد ركوعٍ وسجّاد
ووخذ رضيع الديد من أقصى الفؤادي
يقال أن قائل هذه القصيده عجوز وأن دعوتها أصابت هذا المكان الذي أصبح مكان شؤم بالنسبه لجميع المسافرين عبر هذه القريه .
وبما ان الشعر رساله والشاعر هو المترجم الوحيد لهذه الرساله كي يوصلها للقاصي والداني ، وبما ان الفليحي رحمه الله عاصر هذه الحركة قال في نونيته التي تحتوي على منجم من الابداع لشاعر لم يقرأ ولم يكتب ولكنه يعرف تماما ما يقول فربما كان الفليحي أميا غير انه بحرا من المعرفة ويجيد قراءة بين السطور :
ســلامٌ مــن الأخِ المستـحـب إلـــى الـرحـمـن
لاســــاحـــــق الـــعـــقـــل مــــــــــن الأخــوانِ
يــــاتــــائــــبـــــاً لله كــــمّـل تـوبـتـك
تجــــرّك الــنــفـــس الـخـبــيــثــة لــلــحــرمــانِ
أبــصــر بـكـتــاب الــزّهــد إن كــنــت جــاهـــلاً
كــم أقــــعــــدنّـــــك آيــــة الـــــــقـــــــرآنِ
دع عـنــك أمـــوال الـنّــاس وأكـــل المـشـتـبـه
الـــــحـــــظّ غـــــايـــــب والـــقــــفــــا شٌـــبــــقـانِ
لا تأكلون أمـوال النـاس فـي نشـط الحِجَـجْ
لا يُـــــأكـــــل الــمـــســـلـــم بــلا بـــــرهــــــانِ
يــاراكــبــيــن الــحـــيـــل إمــــشــــوا وســـلّـــمـــوا
ردّوا ســـلام لــــــــــي عـــــلـــــى الـــحـــبّــــانِ
أغــلـــي هــــــل الـتـوحــيــد ونـــصـــرة عـــزّهـــم
وأفــــرح بـــــعــــــزّ الـــعــــالــــم الــــربّــــانــــي
مــــلّـــــة إبـــراهـــيــــم الـحـنــيــفــيّــة قـــــوّمـــــوا
إمــشـــــوا بحـــــقٍ وإرضـــوا الـــرحـــمــــنِ
الأمـــر مـــــــــرٌ مــــثـــــل مـــــــــرّ الــعــلـــقـــمُ
عــــلــــى الــمــنــافــق وأخـــــــــو الــشــيــطـــانِ
يــازارعٍ شـــرّ لــلــريّـــعـــة تـــحــــصــــدوا
بـــئـس الــفــلاحة وإســــمــــك الــخـــســـرانِ
أمـشــي مـــع المـخـلـوق وشــفــت أحـوالـهــم
ورأيـــــــت أنـــــــا الـمــنــكــر مـــــــع الـــبــــدوانِ
ســــهـــــوٍ ولــــهـــــوٍ وخـــــــــوضٍ كـــلامـــهــــم
مـــاشـــفـــت أنـــــــــا لــلــقـــصّـــة شــفــقـــانـــي
عــــــدّوا لــــــدار الـــحــــق فــيــهـــا وإغــنــمـــوا
دار الـــــــقـــــــرار ونــــصـــــبـــــة الـميـــــزانِ
إسئل عن دينك أهل العلم إن كنت لا تعلم
كــــــل الـمـشــايــخ هــــــم وإبــــــن ســحــمـــانِ
نـصـبـر عـلــى المـخـلـوق ولـــو طـالــوا بـنــا
صـــــبــــــرُ جــــمــــيــــل وبالله الــمــســتـــعـــانِ
قــبــلــك تــــــرى الــدنــيــا غـــــــرورٌ لأهــلــهـــا
تستلـحـق الأجــداد وكــلّ مــن علـيـهـا فـــانِ
لـــــي لابـــــةٍ بـــــأول زمــانـــي ديّــنـــوا بــهـــا
وآخـــــــــــر زمـــــانــــــي كـــلّــــهــــم كــــــذبــــــانِ
يـاجـمـعـة الـخـلائــق فــــي صـعـيــداً واحـــــدا
نـــعــــوذ بــــــــك مــــــــن حــــامــــي الــنـــيـــرانِ
يـاشُـخّــصــة الأبـــصـــار عـــنّـــدك حــضــبــوا
يالله تــنـــجـــيـــنـــا نــــــــــــــاوي الأخــــــــــــــوانِ
أســــألــــك يـــــــــاربٌ كــــريـــــمٌ أن تـــرحـــمـــن
تــــدخــــل بــــنــــا الــجـــنّـــة بــــــــلا رهــــبـــــانِ
أنـــــــــــا جـــــيــــــت نــــــــــــاسٍ يـــنـــظـــرونـــي
كـــثـــيــــريــــن الـــتـــغــــمّــــز والـــضـــحــــكــــانِ
تـــــــــــــرى الله مـــايـــهـــمــــل مــــثـــــقـــــال ذرّةٍ
شـــــــديــــــــد الـــــعـــــقــــــاب بـــالـــقـــضـــيــــانِ
ألا يالله يـــامــــن بـــذكــــره مــابــنـــا حــيـــلـــةُ
تـــــعــــــزّ مـــــــــــن يــــنــــخــــاك وتــــهــــدانــــي
تـعــلــم بـغــيــب الـقــلــب وخــــــلاف ديــنــهــا
تــعـــطـــي الــعــقــيــم وتُــــبـــــري الـــوجـــعـــانِ
لابــــــــدّ مــــــــن قــــبــــرٍ وضــــيـــــقٍ يــــهـــــدمُ
عـــلـــيــــك وأشـــــتـــــدّ مـــــــــــن الــمـــســـكـــانِ
وقــســطـــك مـــــــن الــدنــيـــا ثــمــانــيــةِ أذرعُ
تـــحـــت الــلّــحــد تــجــمـــع بـــــــك الـــديــــدانِ
فللغزل واحات في روح الفليحي رحمه الله
تجري في أقطاب روحه الطيّبه أنهارٌ شرب منها القاصي والداني أسقانا من ينابيع قلبه ولم نرتوي حتى الآن كان يقول ..
قالوا : علامك ساهرٍ قلت : عيني
ماهو رمد ياناس ياللي تداوون
عيني دواها شوف أبو ردعتيني
يا أهل القلوب الفاهمه كان تدرون !
فلم يقتصر الغزل فقط على الفليحي وإنما إجتاح أبنائه مهنا وسلمان
في يوم من الأيام صادف مهنا الفليحي ثلاثه من البنات عند أحد الأبيار المعروفه فقال لهن بكل شفافيه ووضوح
أنتن ثلاثه كيف ربي جمعكن
لاريم لاغزلان لاضبا ولاخشوف
ياذاهباتن انتن لنا مانفعتن
صرتي على قلب عذاب وشاطوف
كم واحد من قبلنا به رثعتن
وعيا يتهنى بمقعده كود بوقوف
الله قوي وقاوي اللي جمعكن
بزين الوصايف وافي كل ماشوف
أما سلمان فلقد إنفرد بالغزل لوحده رحمه الله فكان خياله خصب وتصويره دقيق وكانت أغلب قصائده غزليه كان يقول في إحدى إبداعاته
واقلبي اللي روحت فيه كنه
امشي سفيه وباقي العقل غادي
قل ليه رمحك يالغضي ماتكنه
اودعتني عدّي جضيع الوسادي
النهد بيض واللوافح رفنه
وإلا فناجيل الدلال الجدادي
ونيت لي ونه وتسعين ونه
تسعين مع تسعين ضاع العدادي
أكثر من اللي بالبحر شرعنه
واكثر من الطايح نهار الجدادي
وقال أيضاً :
يالله ياللي من ترجاك ماضاق
يامنشيٍ غرّ السحايب تسوقه
يسوقني من سايق البين سواق
وماهو هوىً لي مار هذي حقوقه
صبح الثلاثاء وافقت قبل الأشراق
نار توقد بالضماير شعوقه
حبيتها بالحلم ثمان على ساق
خانت حلوم الليل ماهي صدوقه
والراس ياذيل أشعلٍ حيل برّاق
مربط أصيل وجاذباته عموقه
ما أنساه كود السيل يصعد بالأسواق
أو حمر رمّان تنازح عروقه
توفي الفليحي بن سلمان السليطي رحمه الله في عام 1397 من الهجره عن عمر يناهز 127 عام ودفن في قديره شمال حائل بـ 25 كيلو
الحديث يطول عن هؤلاء الأهرام فالكل مكمّل للآخر ..ولكن للحديث بقيّه كشأن كل الكبار الذين اثروا بسيرتهم العطرة حياتنا وتراثنا اذ كانوا الجانب المضيء الذي تقتبس منه نور فضلهم وتقدمهم بالخير واختلافهم عن السائد حولهم ، فلم يكونوا الا منارات ادب وعلم وأخلاق تقول لمن بعدهم ( ليس الفتى من قال كان ابي ) ..
نايف بركه مهنا الفليحي
