الشاعر ضاري بن فهيد بن عبيد العلي الرشيد ، من أسرة الرشيد أمراء حائل ، ذكر فهد العريفي أنه لا يوجد في أسرة الرشيد أحد باسم «ضاري»غيره ،وأن الاسم غير شائع في الجبلين إلا لشخص واحد هو ضاري بن طوالة زعيم الأسلم ، وكلام العريفي في هذا غير دقيق.
قال عنه الشيخ حمد الجاسر : «يعتبر ضاري من مجيدي شعراء الأسرة الرشيدية بعد عبدالله الأول وبعد عبيد على أن عمه حموداً أكثر منه شعراً ولكن ضاري أجود» كما أشار إلى إلمامه بمعرفة منازل القمر وحساب النجوم على الطريقة المعروفة في نجد ، وقال : يظهر أن له حظ من التعلم فهو يحفظ أشعاراً فصيحة يستشهد بها ويعرف طرفا مما ورد في بعض المؤلفات الجغرافية عن بعض الأمكنة .و رغم جودة شعر ضاري التي أشار الجاسر إليها إلا أنه لم يصلنا من شعره إلا نماذج محدودة فالصويّان مثلاً في فهرست الشعر النبطي لم يذكر له إلا قصيدتين ؛ الأولى جاءت عند الدويش في ديوان حمود الناصر من خمسة أبيات أولها :
سرنا ويا والي السموات أعنّا
سمّح لنا درب الهدى والرشاد
والثانية جاءت عند الفهيدج6 من 12 بيتا أولها :
من عاش في الدنيا يشوف العباير
بالحال يمزج حلوها مع مراره
إلا أن شهرة ضاري الرشيد التي اكتسبها بعد وفاته لم تكن نتيجة شاعريته ولكنها جاءت عن طريق النبذة التاريخية عن نجد التي أملاها على الأديب اللبناني وديع البستاني أثناء علاجه في مدينة بومباي بالهند سنة 1331هـ ، والتي حققها حمد الجاسر ونشرها وكانت بعنوان «نبذة تاريخية عن نجد» سنة 1386هـ ، ثم حققها بعد ذلك الدكتور عبدالله العثيمين ونشرتها الأمانة العامة للمئوية سنة 1419هـ .
نبذة عن حياته :
يشير العثيمين إلى ولادته في حائل مركز الإمارة الرشيدية في أواخر العقد الثامن من القرن الثالث عشر تقريباً ،كان معاصراً لعبدالعزيز بن متعب بن رشيد و قد حضر جل وقعاته ومنها وقعة البكيرية سنة 1322هـ ، وقال عنه البستاني سنة 1331هـ :»مملىء هذه النبذة أحد أبناء الرشيد الذين عاشوا يتمتعون برضا البيت السعودي و كان قد جلا عن نجد على أثر محاولته الأخيرة الاستيلاء على الحكم بقتل الحاكم في حينه فانتهى به الطواف إلى البصرة حيث ظهر فيه مرض عضال شخصه حكيم البصرة الانجليزي الأشهر بكيس يعبئ مادة في الخاصرة وأشار بفتح بطنه لاستئصاله على يد جراح انكليزي شهير في بمباي فقدمها ونزل على الشيخ عبدالرحمن آل إبراهيم التميمي النجدي ملك اللؤلؤ في زمنه ،الذي استأجر لضاري قصرا صغيرا يقيم فيه بحاشيته وكانوا أربعة ومن خصص له من خدم طيلة مدة علاجه كنت جليسه الملازم وأملأ علي هذه النبذة بطلب مني فدونتها بلفظه ...»
وفي حين يرى الجاسر أن ضاري كان من المعارضين لحكم عبدالعزيز بن متعب الرشيد ، يذكر السويداء في فتافيت «ج2/565» أنه كان من شأنه أنه أظهر تضجره وتألمه إزاء ابن عمه عبدالعزيز بن متعب بن رشيد في أكثر من موقف مما دعاه أن يجسد هذا التذمر والضيق بهذه الأبيات:
الله من قـلبٍ دبل كبد راعيه
دلاّ يـلولج مثل شـمس المراةِ
إن كان باقي عمرنا مثل ماضيه
يا عنك ما تسوى ريال حياتي
هذا زمانٍ كاثـرات بلاويـه
وأخير ما حنـّّا عليه السكاتِِ
قال الجاسر :فبلغت هذه القصيدة عبدالعزيز بن متعب فقال :لماذا لم يقل :
يامن لوجهٍ دابل كبد راعيه
دلّى يتقلب مثل لون الشواةِ
ورغم ذلك فالدكتور العثيمين يرى أنه لم يكن له أي خلاف مع عبدالعزيز بن متعب الرشيد بدليل مشاركته في وقعاته وأن رده على أبيات ضاري ربما كان من باب المزاح ، ولكنه لا يستبعد تأييده لأبناء عمه حمود وهم سلطان وسعود وفيصل الذين قاموا باغتيال متعب بن عبدالعزيز بن متعب الذي خلف أباه في الأمارة سنة 1324هـ .
ويشير الجاسر إلى أنه بعد موت سعود بن حمود سنة 1326هـ أصبح آل عبيد ومنهم ضاري غير آمنين ، وهذا من أسباب هرب ضاري من حائل متنقلاً بين مكة والرياض والعراق وينقل الجاسر عن الأستاذ فهد المارك قوله :» أن ضارياً لو لم يهرب لقتل « « بتصرف » .
ويبدو أنه غادر حائل إلى المدينة المنورة ، وذكر فهد العريفي أن ضاري الرشيد اتجه من المدينة المنورة ومعه حوالي 12 ذلولاً عليها بعض أصحابه إلى مكة المكرمة واستقبلهم الشريف ثم ذهب إلى العراق وعاد منه وبقي في العراق ابن أخيه واسمه «محمد العبدالمحسن الرشيد» ثم أخذ يتردد على الرياض ، أما هو فقد ظل تحت رعاية الملك عبدالعزيز حتى توفى وعندما اشتد عليه المرض بعثه الملك عبدالعزيز إلى الهند للعلاج .«1»
ولكن الجاسر قال :»وقد قام برحلة إلى الحجاز في عهد الشريف حسين ثم عاد إلى الرياض « فهل هذا يعني أن ذهابه للعراق كان من الرياض ؟!
ونشرت مجلة الواحة في عددها الثالث والخمسين رسالة موجهة من ضاري الرشيد إلى علي بن منصور بن أخوان مؤرخة في 19 صفر 1334هـ ، وعلي بن منصور بن أخوان من أعيان القطيف والذي يظهر أنه كان مسئولاً عن جمارك القطيف في تلك الفترة ، ويترجح لدي أن ضاري الرشيد كتب هذه الرسالة وهو في البحرين ومن مضمون الرسالة يتضح وجود بعض المرافقين معه ومنهم صالح بن مهوس الذي رغب في الذهاب إلى نجد فأرسل معه البقية هدايا لأهاليهم فيطلب ضاري إعفاءه من الجمارك ،ويتضح وجود معرفة سابقة بين ضاري الرشيد وعلي منصور أخوان .
ويستشهد الدكتور العثيمين بالمؤرخ إبراهيم بن محمد القاضي «1284ـ1346هـ» في كون الشريف حسين أرسل ضاري الرشيد سنة 1337هـ برفقة «ابن عريف» على رأس جيش إلى نجد وكان مقصدهم إلى دخنة وتقابلوا معهم وهزموهم أهل دخنة في العاشر من رمضان!!
ونتساءل هنا هل ضاري الرشيد التحق بالشريف حسين أولاً ، ثم التحق بالملك عبدالعزيز ، ليعود مرة أخرى إلى الشريف حسين ، معادياً للملك عبدالعزيز بدليل ماذكره القاضي حول غزوه مع «ابن عريف» على الأخوان في دخنة ؟!
وفي حين يرى الجاسر وغيره أن ضاري توفى في الهند سنة 1331هـ إلا إن هذا الكلام غير صحيح كما تؤكده بعض النصوص والوثائق التاريخية ،أما العثيمين فيرى أنه توفى في المدينة المنورة سنة 1340هـ اعتمادا على ما نشره ابن خميس في مجلة العرب الذي أثبت هذه المعلومة بدون ذكر لمصدره !! وهذا يعني أن وفاته في المدينة المنورة كانت قبل دخولها تحت مظلة الحكم السعودي مما يجعلنا في حيرة حول طبيعة العلاقة التي تربطه بالملك عبدالعزيز خاصة أن علي منصور أخوان الذي أرسل إليه ضاري رسالته سنة 1334هـ يعتبر من موظفي الدولة السعودية.
ونخلص من المصادر التي بين أيدينا إلى أنه خرج من حائل لاجئاً إلى المدينة المنورة سنة 1326هـ ، وأنه كان في الهند للعلاج سنة 1331هـ ، وكان في البحرين سنة 1334هـ ، وكان في مكة المكرمة سنة 1337هـ ، ومات في المدينة سنة 1340هـ .
ومن المفارقات أن عبدالرحمن آل إبراهيم الذي استضاف ضاري في الهند سنة1331هـ أعلن إفلاسه في نهاية السنة، وأن النسخة التي اعتمدها الجاسر في تحقيقه كتبها البستاني بخط يده في أيام سجنه بإسرائيل من دفتر اسماه الكشكول لا نعرف مصيره بعد وفاته سنة 1373هـ .
شعره :
من خلال بحثي حول هذه الشخصية فقد اطلعت على عدد من القصائد المنسوبة إلى هذا الشاعر ولكنني أكتفيت بإيراد نماذج من القصائد التي وثقتها المصادر ومن الأبيات المنسوبة إليه ما ذكره السويداء في فتافيته وأشار إلى أنه مليء بالمعاناة والطموح السياسي:
الله من نفسٍ تهوم الطلوعِ
مثل السموَّر يوم يكشف قناعه
أبكي على جملة مشاكل ربوعي
جماعتي ياوي والله جماعة
أقفت بهم سمر الليالي جموعِ
يلعنك دنياً كان مابك بشاعة
بليل الشتا دلّيت أقوعي وأنوعي
ليل الشتا ما نام بُه ربه ساعة «2»
ومن شعر ضاري الذي أورده حمد الجاسر :
من عاش في الدنيا يشوف العباير
بالحال يقذف حلوها مع مراره
ياقلب ياقلب الخطا والخساير
ماحيّ إلا والدهر طق صاره
اعرف ترى ما قـدّر الله صاير
ودنياك يكفي عن طواله قصاره
هنيت من قلبه على الكيف داير
شفـق وطـربان لجمع التجارة
مهوب مثل اللي بالأفكار حاير
ليـلة «بـنيّان» ونهـاره «جبارة»
على طلوع الفجر يعطي البشاير
لا شك يوم أصبح بكى من نهاره
بالك تصاحب من يبوق السراير
يودع إذا قفّيت جلدك «سبارة»
ومن قصائده التي قالها أثناء إقامته
في الهند وأورد بعض أبياتها الدكتور العثيمين بدون إشارة إلى مصدرها :
البارحة مـا هشت العين برقاد
والكبد عن لذة طعامه معيّه
متكدر بالي وفكري غدا أبداد
من شوم حظي كن مالي نحية
ذكرت عصر فات ما هو برداد
دور مضى للعزوة الشمرية
ومنها :
وجدي على نجدٍ ولا ملك بغداد
جوعه حلى من شبع غيره وريّه
الهوامش
1 - ذكريات العهود الثلاثة ،محمد حسين زيدان ، ص149 تصويب من فهد العريفي .
2 - فتافيت ،السويداء ،ج2/519
مصادر البحث :
1ـ نبذة تاريخية عن نجد ،تحقيق حمد الجاسر
2ـ نبذة تاريخية عن نجد،تحقيق عبدالله العثيمين
3ـ ذكريات العهود الثلاثة ،محمد حسين زيدان
4 ـ فتافيت ج2، عبدالرحمن السويداء
5ـ مجلة العرب العدد 10 ربيع الآخر 1378هـ
6ـ مجلة الواحة ع 53 ، ربيع 2009
قاسم بن خلف الرويس