التشبيه أسلوب من أساليب علم البيان في البلاغة العربية ، ويُعرّف بأنه الجمع بين شيئين بينهما علاقة معينة , وهذا الأسلوب البياني يتكون من مشبه ومشبه به وهما طرفا التشبيه , ثم من أداة تشبيه ووجه الشبه . وسوف نتحدث هنا عن أدوات التشبيه في الشعر النبطي , وهذه الأدوات لا غنى للشاعر عنها أثناء اعتماده على هذا الأسلوب في الكتابة , فهي “ كل لفظ يدل على المماثلة والاشتراك “ أي أنها الأداة التي تربط بين الطرفين ، وهما المشبه والمشبه به ، وهذه الأدوات أما أن تكون ملفوظة او مقدرة تُفهم من السياق ، وأدوات التشبيه متنوعة الأشكال ، ومنها الحروف والأسماء والأفعال ، وهي كما أحصاها عبدالعزيز عتيق في كتابه ،فمثال الحروف : الكاف - كأن . ومثال الأسماء: مثل – شبه – مماثل- مشابه . ومثال الأفعال : يشبه- يشابه- يماثل يضارع- يحاكي- يضاهي غير أنني وجدتُ أدوات تشبيه أخرى استعملها الشعراء النبطيون أرى من الضرورة تثبيتها هنا , وهي كالأتي : “ كِن- تِقِل- كما – مثيل –شبيه –شرا - شروى – شرواك – يشدى – يشادي “ , وهناك أدوات أخرى ليست أدوات للتشبيه إلا أنها تُستعمل في بعض الأحيان في سياق التشبيه , وهي في الأساس ليست من ضمن هذه الأدوات مثل : خَطو- أسميك – سواة - سِميّ- حَليّ .
امثلة تطبيقية لأدوات التشبيه
كما قلنا قبل قليل بأن أدوات التشبيه متعددة ، ومتنوعة ما بين الأسماء والأفعال والحروف ، وسوف نورد نماذج لهذه الادوات من الشعر النبطي .
أداة التشبيه : الكاف
هذه الأداة من حروف التشبيه ، وقد قال الشيخ محمد بن راشد أل مكتوم:
شوف تأثيرك من الجرح الوثيج
احتباس الدم في وسط العروق
انحدار الدم كالسيل الدفيج
من شوامخ سحبها رعد وبرق
أداة التشبيه : كأن
هذا الحرف لا يستعمل هذا الحرف في الغالب على صورته هذه في الشعر النبطي ، وإنما على هذه الهيئة “ كِن” وذلك من خلال حذف الهمزة للتخفيف ، لأن اللسان في اللهجة الدارجة المحلية في دول الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية وبادية العراق والشام وفي صحراء سيناء وفي جمهورية مصر العربية ، وهذه مناطق انتشار الشعر النبطي ، لا ينطق الهمزة ، اذ يقولون للذئب : ذيب ، وللرأس : راس ، وللمؤمن: مومن. وعلى هذا الاساس يقول خلف بن هذال العتيبي :
سبحان من صوّرْك جلّ وتعالى
الجسم واحد ، والملابس رقيقه
بيضِ تحت حمر الشفايف تلالا
كِنّ العسل يصنع من أطراف ريقه
غير ان بعض الشباب من الشعراء المعاصرين , وجدوا استسهالا في نطق “ كأن” ووضعها في سياق الشعر النبطي ، حيث يقول فالح الدهمان:
أحس الارض مسدولٍ جناحي فوقها ساري
كأني من حمامات البراري او قطا كِدري
أداة التشبيه: كما
هذه الاداة هي في الاصل حرف الكاف ، غير أنني فضلتُ وضعها هنا كحالة مستقلة ، وذلك لارتباط حرف ال” ما” فيها ، وهذا الحرف زائد , وليس له محل من الإعراب ، ووفق هذا الوضع يقول الماجدي بن ظاهر
عفا الله عني لا جرى ما وصفتها
كما جالي الظلما سنا صبح نورها
لها مبسمٍ باهي به الوجه تايه
يفوق العطابيل الملالي حضورها
أداة التشبيه: مثل
هذه الاداة من الأسماء ، ولها مشتاقات كـ” مثيل- مماثل” وشاهد هذا النوع من الادوات قول العصري بن كراز واصفا احد الطيور:
أشقر مذهّب رونقه شمس لشراق
أفيح عضوده مثل ترس الطرادِ
أداة التشبيه:مثيل
هذه الأداة من الأسماء ، وهو مشتقة من كلمة “ مثل” وشاهد هذا النوع من الشعر قول شباط الظفيري في والده:
أبوي أنا ما له مثيلٍ بالأبْوان
عندي ، وكلٍّ له حبيبٍ وغالي
أداة التشبيه : شِبْه
هذه الأداة من الأسماء ، وشاهد هذه الأداة قول محسن الهزاني:
يا شبه صفرا طار عنها الجلالا
طويلة السمحوق تنزع عن الدرق
أداة التشبيه: شبيه
هذه الأداة مشتقة من الأداة السابقة , وهي من الاسماء ، وضمن هذا النوع يقول الشيخ محمد بن راشد أل مكتوم :
يا حبيبي يا عزيزي يا سميه
يا شبيه خشوف غزلان الدمانا
أداة التشبيه : يشبه
هذه الأداة من الأفعال ، وشاهد هذا النوع قول الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم .
ما يلام اللي عن امّابه نشر
والقوافي تشبه الدر النثير
أداة التشبيه : حاكى
هذه الأداة من الأفعال وفعلها المضارع يحاكي , والمحاكاة بمعنى التقليد , والتقليد هو المشابه , وشاهد هذا النوع قول نايف صقر
ما خلد فـ الوجود إنسان مهما سما
لو تنامى وحاكى المعجزة والجماد
أدوات تشبيه اخرى
هناك أدوات تشبيه أخرى غير تلك الموضوعة في الأمثلة السابقة ، لهذا فضلتُ وضعها في مكان مستقل ، وذلك أنها من الأمور التي وقعْتُ عليها من خلال البحث وعملية التحري المتواصلة بين الكتب والقصائد من أجل إعداد هذا الكتاب , ولم أجد لها أمثلة في كتب البلاغيين السابقين التي اطلعتُ عليها , وهذه الأدوات هي كالاتي :
أداة التشبيه: تِقْل
تُنطق هذه الأداة بكسر الحرف الاول وتسكين الحرف الثاني أو تحريكه بالكسر ، وشاهد المثال الاول وهو السكون قول بداح العنقري
يا ابو نهودٍ تِقْل فنجال صينا
لَبْقات للقلب المشقى ذوابيح
أما شاهد التحريك قول جحيش السرحاني حينما عقّه أولاده ولم يحسنوا معاملته عندما كبر وتقدمت به السنون .
يا ما تسلوعت الخلايق تِقِل ذيب
من خوف لا يقصر عليكم عشاكم
أداة التشبيه : يشدى
هذه الأداة بمعنى يشبه ، وهناك من يكتبها بالالف الممدودة هكذا “ يشدا “ ، غير ان الصحيح كتابتها بالالف المقصورة كما هو مدوّن في هذا المثال ، وشاهد هذا النوع قول شباط الظفيري:
ياملّ عين كل ما أضحى ضحاها
قامت تهل الدمع عجل ذريعه
تشدى هماليل المطر من سماها
اليا تثاثر بالسهال النظيفة
أداة التشبيه: يشادي
هذه الأداة مشتقة من الأداة التي كانت قبلها “ يشدى “ والتي تعني الشبه او المماثلة ، غير ان هذه الاداة من الامكان ان تأتي في غير هذا الغرض ، وهذا الامر على سبيل الحادث العَرَضي ، إذ أنها في الأساس أداة تشبيه ، ويقول في هذا السياق سند الحشار
يا راكب من فوق طلقــــــات الايمان
فج النحور بوقت جلس العراميس
فودٍ لأهلهن مع حزاويــــر قطعـان
بسعود قطاع الفجـــوج المراميـس
حمرٍ تشعّ أذيالهن تقـل شرطان
حمرٍ تشادى عيونهن للمقابيـس
وقد تأتي هذه الكلمة وهي “ يشادي “ في غير سياق التشبيه ، وشاهد هذا الأمر كما وردت في بيت أحمد بن خليفة الهاملي
فكم ساريٍ سار بْمعانيـــــــه مولــــــــــــــــع
وكم ناشدٍ في مجلسه بجيله يشادي
إذ أن معنى هذه الكلمة , وهي “ يشادي “ يدلّ إما أنها من الشدو والانشاد ، أي أن الشاعر كالطائر الشادي أو من هذا القبيل ، ولعله يقصد من كلامه انه يفاخر ويتباهى بما لديه من شعر . وعلى هذا الاساس فإن هذه الكلمة ، وهي اداة التشبيه “ يشادي “ إنما هي في الأساس أداه من أدوات التشبيه في الشعر النبطي ، لكنها جاءت في غير هذا السياق ، كما مر معنا في بيت الشاعر الهاملي .
أداة التشبيه: شروى
لقد توسّع شعراء دولة الامارات في هذه الكلمة ومشتقاتها وكانوا يستخدمونها في حلات عدة كـ “ شرى – شروى- شروات- شرات “ كما سيمر معنا بعد قليل ، وهذه الكلمة قديمة الاستعمال في الشعر العربي ، حيث يقول الحارث بن حلزة البشكري وهو كما هو معروف من شعراء المعلقات السبع في الشعر الجاهلي
أفَلا نُعَدّيها إلى مَلِكٍ
شَهْمِ المَقادةِ حازمِ النَّفْسِ
فَإلى ابن مَارِيَةَ الجَوادِ , وهل
شروى أبي حَسّانَ في الأُنْسِ
ونظرًا لأن هذه الأداة متفرعة الاستعمال لهذا سنعمل على جمع هذه التحوّلات الحاصلة فيها ضمن هذه الفقرة دون الشروع في الفصل بين هذه الأفرع .
أ - شرى
يقول خلفان بن يدعوه المهيري :
يا ناس ما في حالي مزيد
باجي شرى اللي يجاسي يروح
ب - شرات ، شرواه
يقول راشد علي آل علي :
قالوا شراته حد واخْيَر
تركه ويدّد د حد ميراه
قلت اسكتوا ما عاد باصْبرْ
ما حَدْ خلقْ مثله وشرواه
ج- شروى
يقول أحمد عبيد المنصوري :
أبو جديلٍ فوق الأسلاب نشّاح
شروى الحروف منظمات الطباعه
د- شروات
يقول أحمد عبيد المنصوري أيضًا:
تَجْر الهوى جضرّة غريقٍ بسبّاح
متشوقة شروات راعي البضاعه
هـ - شراكم
يقول محمد المطروشي :
كثير في الدنيـــــــا شــــــــــراكم
نـــــــــــاس يودون التـــــــــزامِ
و- شرواك
يقول الشريف بركات :
أدّب ولدْك إن كان تغيه يشفك
لو زعلت أمه لا تخليه يالاك
إما سمح واستسحك عند شانيك
ويغيض من فعله صديقك وشرواك
ادوات تشبيه ليست أصلية
بعد أن قمنا بتعداد أدوات التشبيه ، وطرح الامثلة لكل واحدة من هذه الأدوات من نصوص الشعر النبطي ، وبعد لن اتبعنا هذه الأدوات بما تم القيام به من عمل استقصائي لأدوات تشبيهية استعملها شعراء الشعر النبطي التي لم نقف على أن أحدًا سبقنا إلى مثل هذا الاستقصاء المتبوع بنماذج من الشعر النبطي لهذه الأدوات التي انفرد بها الشعر النبطي، وجدنا أن هناك عدد من الأدوات تلتقي بموضوع التشبيه ، غير أنها في الأساس ليست من أدوات التشبيه ، وذلك أن مجيئها في سياقات شعرية معينة يجعلها تكون قريبة من التشبيه , وهي في الحقيقة ليست منه أصلاً ، وهذه اأددوات ، هي كالاتي :
1 – خَطْو
تعتبر كلمة “ خطو” ليست في الأساس من أدوات التشبيه ، وذلك أن لها استعمال شعبي عام كقولنا : “ خطو رجال يفهم ويعرف الأصول” ومعنى هذه العبارة : “ أن هناك رجّال يفهم ويعرف الأصول “، ومن ضمن عدم مجيئها في غير سياق التشبيه قول محمد بن فالح الصقري
خطو الولد مثل البلبهي لِيَا ثار
زودٍ على حملة نقل حمل أليفه
وخطو الولد مثل النداوي لِيَا طار
صيده سمان ولا يصيد الضعيفه
وخطو الولد ينشي على موتة النار
مع العرب يشبه لخطو الهديفه
وخطو الولد يامال قصّاف الأعمار
لا نافعٍ نفسه ولا منْه خيفه
فهذه الابيات الاربعة اشتملت على خمس كلمات “ خطو” لا توجد بيتها فيما يفيد التشبيه ، غير ان الشاعر صالح مصلح الحربي قد استعمل هذه الكلمة فيما يفيد التشبيه ، عندما قال :
ما قصدت الجميع أخصّ ناس حثال
خطو هاك الكديش اللي تنطح هوى له
حيث جاءت “ خطو “ هنا بمعنى “ مثل” ولو قلنا: “ مثل هاك الكديش اللي تنطح هوى له” لاستقام البيت والمعنى أيضًا ولَمَا حصل هناك أي تغيير في المقصود .
2 – أسمّيك
هذه الكلمة تدل على إطلاق الاسم , كأن يقول الشخص لصاحبه” أسميك أحمد” أو “ أسميك زيد” أي أُطلق عليك اسم أحمد أو أُطلق عليك اسم زيد ، غير أن من الشعراء من استعمل هذه الكلمة في غير سياقها المعروف , حيث جاء بها كأداة تشبيه وذلك عندما يقول فهد عافت في مدح الامير سلطان بن عبدالعزيز :
أسمّيك المطر حاشاك لا ما أنت المطر يا أمير
وهو لأعطى نزل , أما أنت تعطي وأنت بالعالي
إذ أن الشاعر استخدم هذه الكلمة بمعنى “ أشبهك المطر “ وهذا ما جعله فيما بعد من هذا البيت يعدل عن التشبيه .
3 – سواة
تكتب هذه الكلمة إما بالتاء المفتوحة أو التاء المربوطة , والصواب ما كتبناه , لأننا نقول في حال التسكين “ سواه “ أو “ هالسواه “ وما دام تحوّلت التاء المربوطة إلى هاء فإن الصواب كتابتها على هذا المنوال الذي فعلناه , وتعتبر هذه الكلمة بمعنى “فعل الشئ” عندما نقول في كلامنا المتداول : “ سَوّى الشئ “ أي “ فَعَل الشيء “ وضمن هذا المعنى قول أحمد سلطان بن سليم :
دوحه ظليل وروض غابه
سَوّى عليه من الزهر عوم
وكذلك قول حمد بن علي المدحوس :
سويت مثل اللي زرع في القفارا
يزرع وغيره صار قطّف لِثْمار
فمن ينظر في المثالين السابقين يجد أن كلا الكلمتين” سَوّى- سّوّيت” بمعنى “فعل” او “عمل” غير ان هناك بعض الشعراء تعامل مع “ سِواة “ المشتقة من هذا الفعل كأداة للتشبيه إذ يقول نايف صقر :
تجيني سواة البرد ولحافي النسيان
وأصير الضحية بين بردك ونسيانك
أما بيت الأمير خالد الفيصل
هذي سواة اللي عن النوم قزّاه
طيف الحبيب اللي على خاطره عن
إنما هذا الشيء يؤكد ما ذهبنا إلبيه بأن هذه الأداة ليست أداة تشبيه أصلية , إذ أن معناها في هذا البيت جاءت بمعني : “ فعل “ ولو حذفنا “ سواة “ ووضعنا مكانها في البيت كلمة “ فعل “ لَمَا اختل المعنى في البيت الشعري
4 – سِميّ
معنى هذه الكلمة في الكلام اليومي المتداول ، بمعنى المطابق والماثل لاسم الرجل , فحينما نقول بان “ فلان سِميّ فلان” بأن اسمه نفس اسم فلان , وإن كانت تدل على التشابه غير أنها غير مستعملة كأداة تشبيه , وممن جاء وفق هذا السياق قول منصور الفهيد
مادمت أذوقك كرز واسمك سميّ العنب
وإنشودة الليل للغقوات مسترسلة
لكن بعض الشعراء رأى بأن لا مانع من أن تَرِد هذه الكلمة ضمن هذا السياق وهو سياق التشبيه , حيث يقول الأمير خالد الفيصل:
تدلّلْ عليتا يا سميّ الظبي وش عاد
تدلّل ولك بأمر الهوى شافعٍ عندي
فهذه الكلمة تعني “ شبيه الظبي” ولو وضع الشاعر هذه الكلمة مكان” سميّ” لَمَا حدث أي تغير في الامر.
5 – حَليّ
تعتبر هذه الكلمة من الأدوات القليلة في التشبيه , وهي من الإمكان أن تنوب عن “سميّ “ التي وردت في الفقرة السابقة مع مثال خالد الفيصل , لكن معناها ليس معنى “ سميّ” إذ أن معنى هذه الكلمة : صِفَة أو سِمَة ، ومن ضمن هذا السياق قول زوحة ابن عرّوج :
الزول زوله والحلايا حلاياه
والفعل ما هو فعل وافي الخصايل
إذ أن معنى هذا الكلام “ والحلايا حلاياه” أي “ الوصايف وصيافه ، لكن بعض الشعراء قد استعمل هذه الكلمة “ حَليّ” في مجال التشبيه , حيث تقول الدقيس في الشيخ مانع ابن سويط .
مانع لِيَا رِكْب الجواد الظهيره
ما له حَليٍّ يعلم الله حذا الزير
زير العراق اللي ربي بالجزيره
وافي الخصايل كاملٍ بالتشابير
فلو قلنا في هذا البيت “ ماله شبيه يعلم الله حذا الزير” لم يحدث أي خلل في معنى البيت ومن هذا نفهم بان “ حلى” هي تحل محل “ شبيه- ىمثل- مثيل –شبيه” أي انها اداه من ادوات التشبيه .
محمد مهاوش الظفيري