في أرضٍ لا يبَس ولا ليّنة، لا مُعشبة ولا جرداء .. يزورها المطر بين حينٍ وآخر، تُطلّ عليها الغيمة عابرة، وكأنها تُلقي السلام وتذهب ....
قِسمة .. وإن قسمة الله لمُربحة ، ذلك أن الأرض التي تعتاد السُقيا يُميتها الجفاف وإن كان عارض لا مُقيم .
قِس على هذا حظوظنا من الرزق والكسب، فالمرء يتسخّط إن حلّ به فقر، ويبطر إن غشاه الغنى .
إنني أتصوّر أننا وُلدنا ببطونٍ داخل بطوننا، أحدهما للغذاء والآخر لنغترف من ملذات الحياة حتى إذا ما امتلأت أزحنا بعضها رغبةً في شيءٍ جديد !
ولن يقف نهم الإنسان عند هذا الحدّ صدّقوني، فمن يرى كنوز الآخرين ونعمائهم ويضعها نصب عينه لن يصرف عنها النظر ولن يقف مكتوف اليدين دون أن يسعى للوصول لها، إن لم يكُن في الأصل يرجو الحصول عليها ويبذل لذلك كلّ المستطاع وما يظنّه البعض مستحيل من أجل ذلك .
إنه شقاء بمعنى الشقاء، وكفاح بما لا يبتغيه الكفاح ويرمي إليه .. إن قلّبنا أبصارنا في الحياة وما رافقها ونظرناها بعينِ الراحل / العابر سبيلها بلا أية غنائم مادية تستهلك عمره وأعظم وقته .
يا لهذه المضغة المُخلّقة التي كبرت حتى أصبحت جسداً له رغبات وشهوات، وفي عِليتها عقل ومنتصفها قلب وتحكمها إرادة، ويُسيّرها دافع .
أعطاها الله ما لم يُعطي غيرها من الخلق، وبالرغم من ذلك يتغطرس صاحبها ويكبر ظنّه ويتضخّم طمعه، ويمشي في عتوٍ ونفور إلى أن يحين النداء الأخير من الحياة فتعلم علم اليقين أن ما كان بالأمس متاح هو اليوم ضمن المُحال، وأن ما على الأرض لهوَ ملكٌ سيُستردّ وتعود الحقوق لأهليها.
كل ما على هذه البسيطة يحكمه قانون منه ما يُخلّ به، ومنه ما يُلزم غالب العمر، وأكثر تلك القوانين رجوحاً وثباتاً: ( أن ما لا تزرعه.. لن تحصده ) فهل يخرج الخير من عدم؟!
حتماً لا، فيا أيتها “الأرض / الإنسان” أقلعي وغِيضِ الطمع، واستوِ على الخير لتُنبتي زرعاً يُذهل الزرّاع وتجنيه.
نفلة محمد
( عبرات الرحيل )