من البديهي أن يكون الواقع مبعث اهتمام الأدباء و ترجمته لتنعكس صوره بكل ألوانها الفاتحة و القاتمة على حد سواء ، لكن مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي أصبح الواقع الأدبي يأخد اتجاها مغايرا ...مليئا بالتناقضات التي تطرح عدة تساؤلات...أبرزها حول الكم الهائل من الذين يدّعون الشعر و يتفاخرون بلعبة الكلمات ، انطلاقا من أن الجملةَ العربية صالحة لإبراز المعاني الحقيقية والمعاني المجازية، بالوسائلِ والقوالب والتراكيبِ نفسها، إذا لا تغيير في هيئة الجملة للدلالة على أن المعنى حقيقي أو مجازي...
فهناك من أصبح يدّعي كتابة النثر متجاهلا قواعده و خصوصياته و هناك من يدّعي الشعر الحر بمزج التفعيلات ليقرّ بأن حرية التعبير تحتّم خلق أجناس أدبية جديدة بهدف التحديث و كسر التقليد ...هنا قد يصاب القارئ بنوع من الذهول و الحيرة في التمييز بين الجيد و الرذيء و بين الصواب و الخطأ...
في رحلة لي عبر عالم الفيسبوك استوقفتني بعض النصوص التي لحد الآن أجهل هويتها الأدبية باستثناء أنني أدرك أنها مكتوبة باللغة العربية ...فكقارئة حاولت التعامل مع بعض النصوص من منطلق المطالعة لكي أستفيد من الفكرة التي يهدف الى ايصالها صاحب النص ...لكن دخلت في متاهة الرحلة التي وددت جدا لو لم أخوضها مع سبق الاصرار في اكتشاف خبايا النصوص التي أصبح تصنّف الى الأدب و تدرج اسم صاحبها ضمن قائمة شعراء العصر ...
اذ كان سلاح البعض للدخول الى ساحة الأدب عبر مواقع الفيسبوك سيف الثورات العربية و القومية المفتعلة احيانا لكسب تعاطف الآخر ليصبح بذلك المنجز الثوريّ نفسه موضع تساؤل حول ماهيّته وجدواه، وهو أمر قد يعمل كقوة شدّ عكسيّ يستثمرها طوابير الانتهازيين وفيالق العسكر النفعي القديم ، لتقويض الحلم، والعودة إلى تلك الكهوف اللّزجة التي كرّست عصوراً من الظلم والظلام ...
أما فيما يتصل بالأجناس الأدبية، فلا يمكن بين ليلة وضحاها أن تنتج مواقع التواصل الاجتماعي جنسا أدبيا مغايرا كل المغايرة، خصوصا وأن أشكال الأدب من أكثر الأشكال بطئا في التحول والتبدل، واحتاجت تاريخيا ـ ولا تزال ـ إلى أزمان وتراكمات شتى كي تنزاح وتختلف قليلا، أو تتداخل وتنفصل. ورغم ما انتابنا من تفاعل مصحوب بالدهشة في هذا العام مع مواقع التواصل وما أطلقتُ عليه مجازا «جنون الفسبكة»، إلا أنني أحسب أنه تفاعل سيروح قريبا أدراج الرياح، خصوصا مع عدم سلوك هذا التواصل في باب الحوار الجاد، وميله عموما إلى أن يكون تواصلا اجتماعيا أقرب إلى التسلية في معظمه، والتساؤل لا يزال قائما حول الغاية من كل ذلك في نهاية المطاف..
رغم أنني لا أنفي أنه ثمة تفاعل اجتماعي بين الناس و قد يكون محفّزا لانتاج ابداع جديد لكن غيرتي على اللغة العربية و على انماط الأدب عامة جعلني أكون صارمة في نقد بعض النصوص بعدم الرضى على ما يؤول اليه الأدب من ترهلات تكاد تهوي به الى اللارجوع...
فأصبح النسخ و اللصق من أبرز مؤهلات بعض المستشعرين التي يجب أن يتقنها في هذا العالم الفيسبوكي الذي لا يستغرق من الشخص وقتا طويلا من الجهد في التزوير لكي يُمنح لقب «شاعر» وقد وجد ضالته في هذه المساحة التي لم تكتف بولادة شعراء وهميين، بل تجاوزت ذلك لتكوين طبقة من النقاد الوهميين أيضا، وهم مجموعة من الأصدقاء الذين يهللون «للوهم» المكتوب من قبل صديقهم «الشاعر» مما دفع هذا الأخير إلى تصديق كذبته كما يقول المثل «كذب الكذبة وصدقها».
ويلفت إلى المجاملات المغلفة بالخبث والكذب والمصالح المتبادلة التي تقوم على مبدأ معروف في الوسط الثقافي ينتهجه البعض «أكتب عني أكتب عنك». تماما كما يحدث في فضاء الفيس البوك الذي يضم تعليقات مجانية من أجل تبادلها بين الأصدقاء، وهذا لوحده يكفي لتخريب ولكننا دائما نعول على ذائقة المثقف..
وكان الله بعون القارئ !
لذلك غيرتي على اللغة العربية لم يتوقف عند حدود الرفض فقط بل تعداها الى دراسة أساسيات النقد الأدبي حتى تتضح الصورة البنيوية و المعنوية لما أصبح يسمى شعرا و أدبا و فكرا جمّعته تكنولوجيا النسخ و اللصق ...لاستغلال هشاشة الظروف التي يمر بها المثقف العربي و تعدد الوجوه الصفراء للاعلام الذي أصبح هدفه خدمة الكمّ قبل الكيف ...
و لازالت رحلتي في الغوص فيما هو افتراضي قائمة على البحث و الدراسة حتى أكون على لغتي شاهدة أو شهيدة ....
سناء الحافي