في أحد الأيام الماطرة وأثناء قيامي بجولة سريعة على بعض المنتديات الأدبية « وأنا أخلي مسؤوليتي أمام الله عز وجل من هذا المسمى » استوقفني صوت صراخٍ وعويل و ولولة فسارعت للبحث عن مصدرها لأجدها في أحد أزقة هذه المتصفحات المهجورة لأفاجئ برجل وامرأة يتبادلا الشتائم فيما بينهما ممسكا كلا منهما بالآخر , ولكي أكون صادقا معكم لم اكترث لهما فحاولت بكل بساطة المضي في طريقي إلى أن وقعي على مسامعي قولا أرعبني « وأنا اللي وثقت فيك وسلمت لك نفسي وقال ايه : قال مستشار قال وأنت تمشي وتنقل حكي » فـ عدت إلى استراق السمع لمعرفة ما يدور بينهما فوجدت الرجل رافعا يديه إلى السماء ويقول : حسبي الله ونعم الوكيل عليك يا فواز بن عبدالله .. ربنا ينتقم منك يا شيخ , فلقد فجر الرفيق المناضل فواز بن عبدالله قبل عدة أيام موضوع بعنوان جنوني قصيدة الفتاة التي تشعرني ... إلخ ولمن لا يرغب بالإطلاع على المقال سيجده في منتديات موفن وفي الحقيقة أثار هذا الموضوع حفيظة العديد وهنالك من انتفضى متهما إياه بالفسق والفجور ومحاولة تشويه صورة النص , ولو أخذنا الموضوع تدريجيا سنجد أن النص أو القصيدة أو الكتابة الإبداعية .. عبارة عن أسس فكرية متعددة الأبعاد وعالية الشاعرية ومكثفة الصور الدلالية والتي تمنح العقل مساحة من العمق والرؤية والتأمل ومتى ما وصفت بأنها ذكورية أو أنثوية عندها يمكننا خلع عباءة التصنيف الفكري والزج بها في سلة المهملات وارتداء عباءة التصنيف الجنسي , ونحن بحكم عالمنا وتعايشنا مع الحياة لا يمكننا الإنفصال أو التجرد من الواقع وهجره , فجميع ما نملكه الآن ما هو إلا عبارة عن تراكمات ثقافية لعدة أجيال سابقة , فالحاضر خرج من رحم الماضي ومتصل بالمستقبل ضمن حلقة تصلهم ببعضهم البعض لذا كل شخص منّا ينضج وينفرد لوحده في سبيل أن يمثل ذاته ويصنع هوية شخصية له يمارس بها خصوصيته وعموميته تحت رداء عمومية المجتمع الذي ينتمي له , هنا يمكننا القول أن الأنثى الشاعرة سوف تواجه العديد من العقبات ضمن ما يسمى تقاليد وقيم فلابد لها من التغلب عليها وايجاد وسيلة ما تعبر بها من خلالها عن نفسها , فلو سلطنا الضوء قليلا على تجربة الأنثى سنجد أنها تقدم العديد من النصوص الساحرة والفاتنة لكن في الواقع لن نجد النص واضح الملامح في الغالبية العظمى من النصوص وذلك لأنها حينما قامت ببناء النص كانت تتقمص حالة من النفي الذاتي وفي المقابل نلاحظ أنها كانت تحاول سد تلك الثغرة بالإستناد على الكيان أو الجسد الثقافي لتطعيم النص بأُنوثة مضاعفة متناسيةً بذلك الغموض الذي غُلِفَ به النص إضافة إلى هجر التقريرية المباشرة والذي كان الهدف منها هو إيصال فكرة معينة أو حالة نفسية معينة قد لا تتمكن من البوح بها خشيةً فتنة التعبير اللغوي فلجأت إلى الدمج بين كل من الفكر والجسد فكان هذا الدمج كفيلا بزعامة الحس الأنثوي من خلال النص , ولكي أكون أكثر دقةً , إذا كانت الشاعرة هنا تنهج فلسفة خاصة بها « سواءا رغبة داخلية منها أو وسيلة تعبر من خلالها غير ساخطةٍ تماماً » فإن ذلك يُعد إبداعا لا متناهيا منها وحرفنة عالية , لكن إذا كانت الشاعرة هنا تقف في خانة « مجبر أخاك لا بطل ..! مطعمةٌ بحالة من السخط » فإن ذلك يعني غياب الروح الإبداعية رويدا رويدا وفقدان لهوية النص الحقيقية .فهل نستنتج من خلال ما سبق أن النص الأنثوي لابد وأن يرتبط بالعاطفة والحب والغريزة ونرسم في مخليتنا ملامح فتاة أنيقة ممشوقة القوام تمتلك عينان بهما سحر الشرق وشعرٌ أسودٌ منسدل على كتفيها كشلال ماء , بالتأكيد لا فهو أمرٌ غير معقول بتاتا فالاستنتاج السابق يصف من تتناول قضايا المجتمع والمرأة والفلسفة .. إلخ بأنها أنثى قبيحة « بشنب وذقن » بل وقد يُصنف نصها من ضمن النصوص الذكورية البحتة , فلابد من التفريق بين النص المستحدث والمصطنع والنص الطبيعي .. النص الذي يطغى عليه ألوان قوس قزح وكأنه اعلان تجاري والنص الإنتاجي الذي يكسوه النور .. شتان بينهما وفجأة اتصل بي أحدهم ليخبرني أن صديقي فواز بن عبدالله تم إلقاء القبض عليه بتهمة تشويه سمعة القصيدة وسيمثل أمام المحكمة الشعرية في المستقبل القريب .
فيصل الرحيّل
Faisal.r@msn.com