تعددت الآراء و تعارضت حول ماهية قصيدة النثر التي اعتبرها البعض عبارة عن قصيدة نغلية كالعلاقة الخارجة عن الشرع...لكن ما يلاحظ بالساحة الأدبية انتشار هذا النمط الأدبي بين الشعراء فهناك من يجيد كتاباته معتمدا على قواعده و بلاغته و هناك من يرى فيها عبارة عن سطور متراصة يلفّها الغموض و تكتسي صورا شعرية لا متناهية...
و من أبرز الاشكاليات التي تعترض هذا النمط الشعري تبدأ من زاوية المصطلح و الايقاع الذي يزعم دعاتها أن لها ايقاعا خاصا يفوق ايقاع القصيدة التقليدية
،اذ أصبح الكثير من النقاد والباحثين لا يميزون بينها وبين (الشعر الحر)، حتى أنَّ بعضهم أخذ يتحدث عن ريادة نازك الملائكة لها في حين أنَّ الشاعرة والناقدة المذكورة كانت من أشد خصوم هذه القصيدة. أما علاقة قصيدة النثر بأنموذج الشعر المنثور الذي ظهر في الربع الاول من القرن العشرين، فهو محل إشكالية أخرى. ّإذ يذهب قسم من النقاد إلى أنَّ الاثنين لا يعدوان أن يكونا تسميتين لنمط كتابي واحد، في حين يرى آخرون أنهما جنسان مختلفان كل الاختلاف، لأنَّ لكل منهما خصائصه وهذا الرأي هو الأصح...
لكن القارئ العربي بات يعدّه أحد أبرز الأجناس الشعرية الاكثر تأثيرا فيه على الرغم من تحرره في الوزن و القافية متحسسا بذلك أبعاده الشعرية المتولدة عن الصورة و وحدة الانفعال
متحررا من نظام العروض الخليلي الذي يقيّد البعض في كتابة ما يجول في خواطرهم بكل حرية و تقائية ..تحقيقا للرغبة الجامحة في التخلص من كل ما يمت إلى الأشكال والقواعد الموروثة بصلة، والبحث الجدي عن بديل لما تم هدمه وتجاوزه..
و من رواد قصيدة النثر أو ما يسمى بالشعر المنثور تبنى أدونيس الدفاع عن قدسيته مستمدا ايقاعها من طريقة بناء الجملة المتجلية في في التوازي والتكرار والنبرة والصوت وحروف المد وتزاوج الحروف وغيرها. وبذلك تفرض على النثر هيكلا منظما ، وتدخل الحياة والزمن في أشكال دائرية..
لذلك رغم الانغماس في البحث و الدراسة عن هوية النثر الا أن دعاة الحرية الأدبية يرون أن الحرية أيضا قانونا لهم و أن الأوزان الخليلية ليست مقدسة ، و يواجهون معضلة قانون القصيدة العربية بالغضب و التشنج كلما تناولنا بصفة عدائية رفض الشعر المنثور ، لكن في نهاية الأمر أعود بتحليلي البسيط الى أن الشعر كيفما كانت صوره و بنيته هو إيقاع و هذا متفق عليه ،لكن الإيقاع لا يعني الأوزان الخليلية بل الأوزان الخليلية هي أحد الأساليب المتخذة لبلورة هذا الإيقاع. وهذا الإيقاع الذي هو عبارة عن تنبيهات تأتي من العلاقة بين العناصر المكونة لبنية القصيدة, و تأتي في القصيدة الشعرية الموزونة من المصدر الصوتي للكلمة بشكل أساسي, و بشكل ثانوي من الدلالات اللغوية للكلمة. بينما في قصيدة النثر, يعتبر الإيقاع حاصلاً للعلاقات الداخلية للقصيدة, أي هناك ارتباط وثيق بالدلالة المرتبطة أساساً بالصياغة اللغوية, هذه الصياغة التي هي عبارة عن سلسلة من الحركات الصوتية المقترنة بسلسلة من الحركات الفكرية. و بهذا يكون الإيقاع في قصيدة النثر حركة مرتكزها الأساسي الدلالة اللغوية المصاغة, تسير مع النص و تنهض في نسيج مكوناته لتوليد الدلالة النهائية, بحيث تكون هناك علاقة تأثير و تأثر بين الإيقاع و الدلالة. و بهذا نجد أن الإيقاع له صلة وثيقة بالقصيدة بشكليها الموزون و النثري, و ذلك لتمكين الشعور من السيطرة على الحالة الانفعالية من قبل الكاتب و المتلقي, و ربما هذه النقطة هي أكثر النقاط خلافاً بين مؤيدي قصيدة الوزن و مؤيدي قصيدة النثر.
و لا أجد شخصيا أي مبرر للغضب و المشاحنات عندما تتبدل الأساليب لتأدية نفس المهمة
سناء الحافي