تسكت.. لأن الطرق المؤدية للسلامة مُقفلة !
تسكت.. لأنه ما مِن حديث بإمكانه إلقام الأفواه الثرثارة والنفوس المتشكّكة ما يسدّ إسرافها في أمرها !
تسكت.. لأنك تشتري بالسكوت أمراً لا يُشترى بغيرها في هذا الحال !
تسكت.. مع علمك بأن هذا السكوت ليس ضعفاً، ولا استسلاماً إنما لتعبيد الطرق الوعرة التي يقود لها مواصلة الحديث !
فكيف تنصرف إلى طرق تُدرك في قَرارتك بأن نهايتها مسدودة فيما لو حاربت السكوت، وأكملت المسير ؟.
إنها الحياة في محطةٍ ما، تأخذ منك إمكانيتك لتُجابهها برضوخ.. فيرتفع صوتها عليك رغبةً في نصحك: إياكَ أن تُعارض، فقط انتظر.. حتى تنكشف لك الأمور ويقضي الله أمره .
لقد كنتُ أقابلها بعنفوان الشباب واندفاعته، وطيش الانفعال وسطوته، إذ اعتقدت بأنها الطريقة المثلى في مواجهة الأحداث، لم أدري أشرٌ هيَ أم خير، كل ما أعرفه أني أدافع عن خياراتي بقوة ودون تنازل أو هوادة !
وهي بدورها ما فتأت تخبرني كل مرة بأني لا زلتُ يافعاً على قبول منطقها الحادّ، وإخباري بأن الحقوق لا تُؤخذ دائماً بالشدّة، وأنّ ما يُصيبنا هو خير عندما تزول أستار الغيب عما خلفها، وتظهر الحقيقة بتجليّاتها أخيراً .
لكني وبالرغم من كل ذلك، إنسانٌ جهول تُثيره اللحظة، يفوته الكثير، وتغلبه طبيعته، قليلاً ما ينظر لعاقبة الأمور ويدرك كنهها، حتى جاء يوم ظهر لي فيه من بين ضباب الجهل غيمةَ نورٍ صغيرة لم أكَد أراها لولا أن مَنَّ الله عليّ وجاوزت بصيرتي بصري ولجأتُ للسكوت بعدما أحسستُ أنه المخرج المناسب، كمخرج الطوارئ الذي لا يدلّه الناس إلا ساعة الكارثة !
ما جاهدتُ نفسي يوماً على خيارٍ لم تختاره، أو حتى لم يخطر لها ببال، وعندما أُنزل عليّ من الحكمة تنزيلاً قبلته وعملت به.. مُعرضةً عن مزاعم ريبٍ تشير إلى أن لا فائدة منه دون أن تُقيم عليه يقين أو تُصدِّق عليه ببرهان قاطع .
لذا، خُذها رسالتي أينما كنت: فمن حيث علمت فاعمل.. إن كان هذا العلم دليلك إلى السلامة والربح، ووقودك إلى كسب نفسك وسط مُقايضات الواقع، ومساوماته المُغرية التي لا تُبقي ولا تذر من الاختيار شيئاً تختاره بملء قناعتك وانتقاء إحساسك .. !
نفلة محمد
«عبرات الرحيل »