الربيع العربي فرض علينا الحديث السياسي في كل وقت وكل تجمع يحصل ، بات الحديث السياسي مثل الخبز لا غنى عنه في أي حوار يتم ، بالطبع ما يسمى الربيع العربي هو من فرض هذه الأحاديث وجعل من الكل سياسي بارع في تحليل الأحداث ، والكل أصبح يقارن ويحلل ويضع احتمالات لا يهم أن تكون صحيحة لكن المهم أن يخوض مع الخائضين ، المشكلة كلها تكمن في هذه الفئة من الخائضين ، فئة السياسيين الجدد الذي يصعب إقناعهم بأي شيء حتى وإن كان صحيحاً وقناعتهم الداخلية تعترف بذلك ، لأنهم يظنون من أنهم كوكب آخر وبأيديهم كل الخيوط وهم المسيطر والفاهم والقادر على استيعاب وتحليل كل شيء .
ما سبق يحدث كثيراً وتحدثت عنه كثيراً وبكل مره يطلب مني رأي أقول ما أقوله دائماً وما سوف أقوله الآن ، بأنني لا أثق بما يسمى ثورات في هذا الزمن مع كل الاحترام لما يؤمن بها ، ودون التقليل من شأن الثورات التي تكون شعبية وتطالب بمطالبة مُحقة ، لكنه في نهاية رأي ويمثلني وحدي ، قناعتي تقول أن لا قيمة لأي ثورة بوجود قوى عظمى ، كيف تكون ثورة وهي تنتهي إلى لاشيء وإن كان ظاهرها إنجاز حسب ما يعتقدون لكن المضمون أنها نغير ألوان وجلود على حساب إراقة دماء بلا ثمن واضح يعادل قيمة هذه الدماء ، وهذا ما وضح جلياً في كثير من البلاد العربية التي تعرضت لمثل هذه الثورات المزعومة . ربما يأتي أحدكم ويقول أن الثمن كان من خلال تغيير النظام أو إسقاطه وإحداث بديل عنه ، لكن من منكم يأتي ويقول لي أسرة من هذه الأسر قد استفادت من دم أبنائها ؟ بالطبع لم يحدث ولن يحدث لأن الأمور تسير كما تريد القوى العظمى وكل شي بمكانه باستثناء الأسماء التي تتغير ولا شيء سواه ، أعيد وأكرر بأن لا وجود لثورة بكل مقاوماتها الصحيحة بوجود قوى عظمى تسيرها بحسب ما تشتهي وتحولها للأداة تنفيذ مخططها التي تنوي القيام به وتسعى له منذ زمن ، لكنه يأتي لها تحت ذريعة واهية وبأيدي لا تعانيها وإن بترت ، المهم أنها تنفذ ما تريده بدون أي خسارة تذكر بل على العكس لها الفائدة بكل شيء وبكل تغير يحدث .
هناك نقطة مهمة يجب الحديث عنها وهي أهمية الثورات وقيمتها الحقيقية حين يقوم أبناء البلد [ وحدهم ] بها وتكون نتيجة لظلم حقيقي وقع عليهم ويريدون التخلص منه ولكن الأهم أن يحكموا عقولهم ويقيموا وضعهم بالشكل الصحيح حيث يتمكنون من تحديد هدفهم المتاح والذي يضمن لهم الحصول على ما يطلبون دون أن تكون خسائرهم كبيره ، حيث أجد بأنه ليس من الضرورة أن تكون الثورة من أجل خراب البلد ومن ثم محاولات بنائه والتي سوف تعود بهم إلى الوراء مسافات طويلة ربما يصعب عليهم فيما بعد من إعادة الأمور إلى نصابها أو حتى تحت بند المقبول ، ما المشكلة حين تكون الثورة إصلاحية بحيث تبقى الدولة وتبقى مؤسساتها وتحقق أهدافها بالإصلاح وتحقيق المطالب التي وجدت من أجلها الثورة ، ما المشكلة حين يكون التظاهر حضاري وعقلاني بعيد عن إراقة الدماء التي لا تقدر بثمن مهما كان ، لأن خسارة عائلة لفرد منها لا يعوضها أي شيء مهما كان، لأنه الفقد يا أصدقاء والفقد لا يعرف قيمته وقسوته إلا من عايشه ، من عايشه حقيقة وليس تنظير وكلام على الورق .
الحديث هنا لا ينطبق على بلد دون سواه بل هو المطلب الحقيقي وهو ما أناشد بتحقيقيه حين تكون الثورة شعبية مئة بالمئة دون أي إضافات ودون أن تكون هناك أيادي خفية تمسك خيوطها وتتحكم بمسارها وتسيرها إلى حيث تريد ، جميل أن تبقى الثورة في إطارها الحقيقي وبحدود مطالبها المعقولة لكي نحافظ على كيان البلد ومؤسساته وكل مقومات ولكي تكون الفائدة هي القادم وليس الخسارة التي تزيد مع كل دقيقة تمضي .
نسأل الله الصلاح لكل الشعوب العربية ، ونسأل الله السلامة لكل الشعوب ، ونسأل الله رحمة واسع لكل الشهداء ، ونسأل الله العافية لكل المصابين ، ونسأل الله الهداية للجميع . ... ودمتم
بدر الموسى
Twiteer : @b_almosa