يزخر موروثنا الشعبي بمجموعة كبيرة من المثبطات التي تعوضنا عن العمل على الحاضر لتحقيق المستقبل بشكل أفضل !! ولكم بسياقات المجد التليد ما أغنانا وكفانا وأشبع غرورنا الفردي والجمعي !! بل تجاوز ذلك إلى إيهامنا بأن حقيقتنا ملائكية جدًا !! حتى ثبت في داخلنا شعورٌ أننا شعب الله المختار الفاضل على كل الخلق ! المتفضّل على النّاس بوجوده بينهم ..! وهذا الشعور يكون على مستويين بشعور البدوي أنه أفضل من الحضري كتفاضل فئات اجتماعية ، وشعور البدوي أنّه أفضل من البدوي الآخر كتفاضل بين القبيلة والأخرى في التركيبة الاجتماعية !! وسأحكي لكم قصة أبو طليحان كشاهد على النوع الثاني من شعور التفاضل ؛ ففي أحد الأيام ذهب أبو طليحان إلى مجلس الصباح الذي يجتمع به مع مماثليه الاجتماعين ولكنه على غير عادته كصاحب حديث متنوع بخفة ظل لا مثيل لها ، فقد كان ذلك الصباح سارحًا للبعيد لحدود الانعزال عن محيطه !! حتى أُجبرَ أحد الحاضرين لسؤاله عن حاله خوفًا من أن يكون هناك مصابٌ أصابه !! ليعتدل بجلسته ويجيب السائل الجواب التالي وسأقدمه لكم بلسانه : “ يا بعد حيي والله إني متهولٍ من العالم !! كيف يروحون دوامهم ويروحون مجالس الرجال وهم ما هم من قبيلتنا ..؟! “ هذا الجواب يفسر لكم القناعات الراسخة في ذهنيتنا نحن البدو !! ولأننا قانعون جدًا بأنّ ماضينا بطولي فأوقفنا حاضرنا على الاستمتاع بقصص البطولات والقصائد التي خلدتها ..! لنترك اللحظة لشريكنا في التركيبة الاجتماعية ليحقق ذاته وتتعدد مكاسبه و يرتقي في سلّم الحياة على كل الأصعدة ..! لتكون معطيات الحاضر دلالة على أنَّ مستقبله أكثر إشراقًا بينما مستقبلنا لا يعدو كونه مستوى أعلى من البشاعة ونحن نشكِّل الحياة بطريقة غبيّة جدًا ..! المشكلة مع هذا الوهم نحن على استعداد تام لمهاجمة كلّ من يتطرق لحقيقتنا و أقرب الأحداث هجومنا على الكاتب الرياضي صالح الطريقي عندما أتهم فئة البدو أنهم حرامية !! و كذلك هجومنا على اللاعب الدولي فهد الهريفي عندما أشار إلى الظن بأن البدو لا يفهمون ..! وليتنا قيمنا الواقع بصدق مع النفس فسنجد أنّ نقطتي الخلاف لهما واقع ملموس وملحوظ ؛ فاللصوصية لم نسلم منها حتى أعلى مراكزنا الاجتماعية ..! والغباء تستشفه من الأحداث القريبة كما هو حدث أم رقيبة وطريقة احتفالنا بالحيوان !! لتصبح قمة المجد عندنا في حدود جمال الناقة ..! وهذه السلبية الاجتماعية فكرًا و شعورًا من أهم مسبباتها “ الشعر الشعبي “ فلأنَّ غالب مواضيعه بُنيت على السحت فحتمًا تشويه الحياة أولى به ..! ليكون الوهم هو أساس تَحَرُّك أبي طليحان !! لنجد أن في داخل كل واحدٍ منّا ( طليحان صغيّر ) غالبًا ما سيكون في مستقبله شاعر شعبي يدور في حلقة عريضة من الوهم !! وحتمًا هي فارغة من كل قيمة حقيقية ..!
فواز بن عبدالله
Fawaz11100@hotmail.com