قد يبدو العنوان ظريفاً نوعاً ما لكن إذا عُرف السبب بطل العجب فربما لستُ وحدي من لاحظتً علو كعب الحذاء في السنوات الأخيرة وإنتشار بعض بطولاته وحكاياته على ألسنة الصغير قبل الكبير وليس هذا بجديد
فالمتتبع للروايات التاريخية والحضارية يجد أن قصص الحذاء ومغامرات الأحذية كانت حاضرةً في مجالس الأدب، ودواوين الساسة والنخب منذ الأزمنة البائدة، لذا ارتأيت أن يكون مقالي هذا الأسبوع مختلف نوعاً ما إذ سأغوص من خلاله وإياكم في بطون الأدب والتاريخ والسياسة لنقف معاً على أشهر قصص الأحذية في تاريخ البشرية التي دونت من خلالها أطرف القصص وأندرها وأغربها، والتي لعب فيها الحذاء دور البطولة . أستهلها بالحديث عن حذاء الرئيس السوفييتي السابق (خروتشوف) الذي تذكر الكتب أنه وضع حذائه قبل أكثر من خمسين عاماً على منصة مجلس الأمن كنوع من التعبير عن غضبه عقب الحرب الباردة التي دارت بين بلاده والولايات المتحدة الأمريكية , وعلى النقيض تماماً نجد حذاء الرئيس الهندي (غاندي) الذي كان أكثر رقة وتواضعاً ونُبلاً مع الشعب فبعد أن فقد غاندي إحدى فردتي حذائه وهو يهرول للحاق بالقطار ألقى بالفردة الآخرى كذلك حتى ينتفع بها من يجد الفردة الأولى على حد قوله وهذا يطابق تماماً ماورد في كتب الأدب العربي القديم عن قصة خٌفي حنين.. غير أن الأدهي من هذه الأحذية جميعاً هو ذلك الحذاء العسكري الضخم الذي وضع على رأس “كارلس تايلور” في ليبيريا حين الانقلاب عليه بعد أن ذاق الشعب منه الأمرين، وكانت نهايته المأساوية مماثلة تماماً لنهاية الملكة (شجرةالدر) التي ذكرت كتب الأدب والتاريخ أنها ماتت ضرباً بالقباقب والأحذية التي انهالت بها عليها جواري ضرتها (أم علي) زوجةعز الدين أيبك ومن ثم ألقي بها من شرفة القصر لتسارع بعد ذلك أم علي بإعداد حلوى خاصة بهذه المناسبة وتوزيعها على سكان القاهرة فرحاً بالخلاص من ضرتها (حتى عُرفت الحلوى بإسمها ) . ولازال الحديث عن الحذاء في بلاط الملوك والأمراء مستمراً فقد ذكر مؤرخو الثورة الفرنسية عن حذاء الملكة “ماري أنطوانيت” زوجة “لويس السادس عشر”، وهي تصعد من على سلم المقصلة في ساحة الكونكورد وسط باريس بحذائها السكرى المصنوع من قماش الساتان الفاخر لتلتقطها ريشة رسام في زاوية إحدى المقاهي الباريسية؛ كصورة فريدة لهذا الحدث التاريخي الذي ربما ذكّر الشعب الفلبيني بما كانت عليه سيدة الفلبين الأولى سابقاً التي جمعت ثلاثة آلاف زوج من الأحذية الفاخرة إلاّ أن غضب الشعب الفلبيني عليها أزاحها عن الحكم لتعود إلى اقتناء أحذيتها القديمة التي لا تزيد على “200” بيزوس . ومثلها تماماً كانت إيفان بيرون زوجة الرئيس الأرجنتيني الأسبق “خوان بيرون” التي كانت تصنع لها أحذية خاصة من جلد حيوان “المنك” المهدد بالانقراض الذي يعد جلده من أغلى الجلود وأفخرها، إلاّ أن الشعب الأرجنتيني كان يقدر لها وقوفها بجانب الفقراء والمعوزين على عكس ما كان عليه الدكتاتور الروماني “شاوشيسكو” الذي كان يرتدي حذاءً جديداً كل يوم ليحرقه في آخر يومه حتى لا يلبسه أحد بعده؛ حتى قيل إنه كان يلقب بصانع الأحذية قبل رئاسته وقبل أن يثور عليه الشعب الروماني .. وفي وقتنا الحالي لا زال حذاء منتظر الزيدي الذي تلقفت أخباره وسائل الإعلام وقنوات التلفزة هو الأشهر على الصعيد السياسي .
وفي عالمنا الطفولي البريء لعلكم تذكرون معي القصة الأسطورية للسندرلاا تلك الفتاة الفقيرة البائسة والتي وجد الأمير إحدى فردتي حذائها التي فقدتها أثناء مغادرتها صالة الحفل وبعد بحث مُضني عن صاحبة الحذاء ذات المقاس الصغير كانت السندرلا هي المحظوظة التي تزوجها الأمير بعد ذلك فتحولت من خادمة لملكة
وللحذاء في الأدب قصص وحكايات يبدأها ذلك البخيل الذي قدّم لضيوفه طعاماً ساخناً من جلود أحذيتهم، ، غير أن حذاء “الطنبوري” يظل الأكثر حظاً وحضوراً في كتب الأدب العربي الساخر ...
وينهي لنا الأدب العربي قصصه الهزلية مع ذلك الذي فقد نعليه بعد أن خرج من أحد الدواوين فراح يصيح في الأسواق بأعلى صوته قائلاً :
قطع الله يميناً
سرقت مني حذائي
أبدلتني بحذاءٍ
نصفه يمشى ورائي
وأخيراً هذه وقفة شعرية وجدانية مرتبطة بالعشق وتقفي أثر المحبوب تتعلق بقيس بن ذريح وهو يسير خلف ركب لُبنى ووالدها بعد أن طلقها، ويقف ليرى أثر خطوات راحلة طليقته وهو يبكي ويقول
وما قبلت أرضكم ولكن
أقبل إثر من وطىء الترابا
لقد لاقيت من وجدي بلبنى
بلاءً ما أسيغ له شرابا
إذا نادى المنادي باسم لبنى
عييت فما أطيق له جوابا
نجاة الماجد