لت يمكن تشفق الدنيا علي .. و اطري عليك ؟
ما هقيت انك ولا مرة كذا فكرت فيني
يوم انا مالي وجود إلا إذا فكرت فيك
كل ما شفت الشروق.. اقول..هذا انت ابتجيني
لين ما ذابت شموس الكون من شوقي إليك
وكل ما حسيت في قلب عروقه تحتويني
صوره عندي خيالي لك وأتلهف و اجيك!
وآتوهم قبل ما أوصل بأنك تحتريني
وآتساءل .. ويش بتسوي .. لو إني ما أبيك .؟
وإقتناعي إن ذا مكتوب مبطي في جبيني
وإنني ماني سوى لعبه .. وطاحت في يديك
يا خسارة كل احاسيس الغلا لك في سنيني
يا خسارة عمري اللي راح عمره يحتريك
يا خسارة كل زين ما قدر يوصل لعيني
يومني ارويت عيني بك..ولا ارضى لك شريك
آسفه لا والله الا آسفه بيني وبيني
كنت احسب انك كفو هالقلب يومه محتويك
كيف أنا قارنت أصلا (حب غيري) مع (حنيني) ؟!
لكن الشرهه علي والا انت .. ما يشره عليك
القراءة :
رغم وقوع الشاعرة تحت تأثير هاجس الثالوث العربي في العش , والذي يفترضة المرء غالبًا وإن كان بالإمكان حصوله , وهو العاذل أو المنافس في الحب , إذ أن العشق العربي ثلاثيّ الأضلاع , عاشق ومعشوق وعاذل أو منافس كما هو الحال مع الشاعرة في البيت الأخير , إلا أنني عندما فرغت من قراءة القصيدة , قمت ومنذ الوهلة الأولى لقراءة هذه الأبيات بطرح على نفسي هذا السؤال الافتراضي : “ معقولة كل هذه الأحاسيس تكون متواجدة دفعة واحدة في وجدان إنسان ؟ “ وللأمانة لم أفكر بالإجابة على هذا السؤال الذي إن أطلقت العنان لخيالي في البحث عن إجابة له ابتعدت عن النص وتوقفت عن قراءته , وذلك أنني لو أشغلت نفسي بهذه الفكرة لتركت الشاعرة وما تقول وبحثت عن نفسي التواقة للجمال الفني والشعري الذاتي المتعلق بكاتب هذه السطور , وربما خرجت عن النص الذي يعتبر محور الاهتمام في هذه الورقة التي في صدد إنجازها .
كانت في هذا النص انكسارات أنثى تتموج بين الغضب والعتب , إذ تداخلت في هذا النص عدة مشاعر : الحزن , الغضب , العتب , الندامة , الأمل , اليأس , الخوف , الرجاء , الحنين , الصدود , وهذه الأشياء اجتمعت في هذه الأبيات وربما هناك غفلتُ عنها , وهذا التداخل الممزوج بكل هذه التناقضات أخرج خلطة جديدة من المشاعر تكاد أن تكون غريبة وعجيبة في آن , وهي كيف اجتمعت بمقادير لا يطغى أحد منها على الآخر , حيث يوصلها الغضب حد اليأس والشعور بالأسى والحزن , وكان العتب يقودها للندامة على ما جرى , وليت ما كان لم يكن , فهذه الندامة أوصلتها لهذا المصير , وكان الأمل المفرط في الاعتقاد قادها ليأس مرير وقاسٍ , وكان الأمل المفرط في التصوّر أوقعها في الوهم
_ وآتوهم قبل ما .... أوصل ...... بأنك تحتريني
_ وآتساءل .. ويش بتسوي .. لو إني ما أبيك ...؟؟
مما قادها هذا التوهم والتأمل المرتبط بالتساؤل كما في الشطر الثاني إلى الوقوع بما هو أكبر من مجرد الافتراض الذي هو قائم على التوهم , حيث أوقعتها هذه الحالة بالتسليم , وهو تسليم خاطئ لوضع غير قائم وافتراض ما لم يكن موجودًا كما تقول
_ وإقتناعي ....... إن ذا مكتوب مبطي في جبيني
_وإنني ماني سوى لعبه .. وطاحت في يديك
إذ يظهر هذا التسليم من قولها “ واقتناعي “ أي جزمي ويقيني , ثم أتبعته بتأكيد ما تصورته “ إنني “ التي جاءت في سياق التأكيد المطلق الذي لا يقبل النقاش حول ما تقول , لكنها سرعان ما ارتطمت بواقع غير أخر لم تتصوره , وواجهت ما لم يكن في الحسبان .
إن جمالية الشعر والقدرة على تذوق الأعمال الفنية من رسومات فنية , مقطوعات شعرية , معزوفات موسيقية , وغيرها من أجناس الأدبية الأخرى ترجع لذات الشخص , وأي شخص , للشخص القادر على تمحيص النصوص وعزل الجيد والرديء منها معتمدًا على ما يمتلك من أدوات فنية ومعرفية وثقافية تساعده على القيام بهذا الدور , فليس كل ما يُكتب من الإمكان قراءته بشكل سليم , فهناك نصوص شعرية صماء لا ملمس لها ولا يستقر عليها شيء , وهناك نصوص شعرية أشبه ما تكون بالبلهاء أي التي لا يُعرف لها وجهة ولا يكاد أن يقرأها القارئ , ولا يمكن أن يقف عندها المتذوقون
إن القارئ لهذا النص الذي يحمل اسم “ وأطري عليك “ للشاعرة عبير بنت أحمد يجد فيه عتاب مشوب بالأسى ومعجون بالحزن والشعور بالخيبة , وما شدني علاوة على ما فيه من شاعرية عذبة ولغة شعرية أنيقة فتنة وآسرة وناعمة حتى بإمكان المتخيّل لهذه الكلمات أن يرى الروح الإنسانية وهي تحوم بين المقاطع والحروف , وهي تطوف بين السطور والفواصل , كما أنه يدل على قدرة على تصوير المشاهد تصويرًا بلاغيًّا وأدبية تشير إلى تمكن شاعرة خبرت القصيد وعركت اللغة , أقول لقد شدني لهذا النص بالإضافة لِمَا سبق قوله خلّوه من حالات التشنج العاطفي والصَّرع الشعري الذي أصبح موضة عند عدد من شعرائنا وشاعراتنا هذه الأيام , وهو في الحقيقة لا يدل على حب حقيقي بقدر ما يعكس أمرين اثنين : الأول إما أنه يدل على سوء طبع عند هذا الشاعر أو تلك الشاعرة , أو يشير إلى سيطرة ثقافة السير ضمن القطيع من باب التقليد الأعمى للآخرين , وهذا ما لم أجده في هذه الأبيات التي اكتنزت بالألم وتقاطعت مع العتب والحسرة وتضمخت بالحب والأسى , حيث تجلت الشخصية الشعرية في النص كونها امرأة عاشقة عاطفة , تحبّ بإحساس مرهف وتغضب بمشاعر جيّاشة , تتألم كامرأة وتندم كأنثى , تغضب كامرأة ثارت من أجل مشاعرها , ولا تتصرف إلا كما تتصرف فيه أي أنثى تعرف أن هذا الموقف ليس آخر المطاف , وما هو بنهاية العالم
هذا النص رغم روح الغياب والشعور بالفقد إلا أنه مفعم بالحنين , وهذا الحنين يظهر من الوهلة الأول , أي أنه يظهر قبل قراءة النص “ وأطري عليك “ إي أنه واضح من العنوان , ومعروف أن عناوين الأشياء مقدمة أولية لفهم بواطنها , وعليه فهي تتمنى أي “ تطري عليه “ وتمر في باله وتداعب خياله , وهذا ما يقودنا إلى السفر من العنوان إلى آخر كلمات هذا النص “ وإلا أنت ما يشره عليك “ الذي لا يدل إلا على الحزن والتحسر والرغبة في أن تعود المياه إلى ما كانت عليه , والمتأمل في هذه العبارة “ وإلا أنت ما يشره عليك “ لا يلمس فيها ضجيج مشاعر وجلبة أحاسيس وصراخ مشاعر , بل جاءت كمؤشر على الشعور بالانكسار النفسي أمام حالة الفراق والبعد وهو انكسار أنثى تدرك أن لا حول لها ولا قوة في نهاية الأمر , وكأنها تريد أن تقول من خلال هذه العبارة لم يفت شيء , وبالإمكان أن نتناسى جراحاتنا العابرة , كما أن هذه “ الشرهة “ من الإمكان تغافلها ويمكننا التراجع دام الأمل موجودًا , وكأن هذه العبارة أيضًا ترجمة شعورية ومحصلة نفسية لمواقفها التي تكررت في هذا النص , وذلك عندما كررت “ آسفة “ ثلاث مرات , ورددت “ يا خسارة “ ثلاث مرات أيضًا , وهذا التكرار إنما هو دليل على انكماشها العاطفي وانزوائها للكتابة والتفكير والتأمل في هذا الوضع أكثر من كونه إعلان قطيعة تامة
من يقرأ هذه الأبيات يكتشف أنه أمام قصيدة فاتنة وأنها بحق لوحة جدارية رسمتها الشاعرة بدموع العتب والندم ولونتها بعبارات الحب والحزن , وسكبت فيها من قطرات الحنين التي تظهر وتختفي , وهي تصارع مرارة الواقع ونشوة الخيال , الواقع المتمثل بالفراق كحالة ماثلة أمامها ولا مناص من التسليم بها , والخيال المرتكز على تأوهات الحنين وأمل العودة , وهنا يجدر بنا الإشارة عند هذه النقطة أنه حصل تقاطع بين موضوع وذات , الموضوع مرتكز على تشخيص هذه الحالة والذات متمرجحة بين التسليم بالواقع والتوق إلى الخيال , وهذا خيط خفي لا يكاد يبين بوضوح إلا من خلال التأمل والصبر في التفكير , كما أن المتأمل الناظر بتبصر في علاقة نفسية الشاعرة بالقافية يكتشف أن النص مشاطرة بين اثنين , فلم يكن هو حاضر على حساب الشاعرة ولا هي متسيّدة المكان باعتبارها صاحبة النص , فالنص مقسوم بالنص بين الطرفين , الأول نرتبط بالشاعرة وذلك من خلال “ تبيني – فيني – تجيني – تحتويني _ تحتريني – جبيني “ على سبيل المثال لا الحصر , بينما الشطر الثاني “ عليك – فيك – إليك – أجيك – أبيك – يديط – يحتريك “ على سبيل المثال أبضًا كذلك , وهذا ما يدعم عنصر الحنين المنساب بين السطور والذي يطل ويختفي , علاوة على أن بعض كلمات القافيتين متداخلتين , أي أنها يعنيان الشاعرة والغائب الهاجر “ تبيني – تجيني – تحتويني – تحتريني _ أجيك _ أبيك _ يحتريك “ وهذا الوضع ربما يقودنا لتصور آخر وهو أن الحزن الحاصل في النص والذي ختمته الشاعرة “ وإلا أنت ما يشره عليك “ أن هذا النص عبارة عن عتاب حار من أجل عودة الوصال لا من أجل إعلان حالة القطيعة التامة ,. رغم أنكل ما كانت تردده الشاعرة من كلمات أشبه بحد الشفرة على الوجدان
_ قلت يمكن تشفق الدنيا علي .. و اطري عليك ؟
_ ما هقيت انك ولا مرة .... كذا ..... فكرت فيني
_ كنت احسب انك كفو هالقلب يومه محتويك
كيف أنا قارنت أصلا حب غيري مع حنيني
_ لكن الشرهه علي والا انت .. ما يشره عليك “
والتي كانت تقل هذه الحدة في المقاطع الشعرية الأخرى , إنما تدل على حالة الشعور بالندم والإحساس بمرارة الأسى من أن تصل هذه العلاقة العاطفية هذا الحد من التشظي الوجداني , لكن من يقرأ بعض المقاطع الأخرى يجد أن الشاعرة منكفئة فيها على نفسها , وهذا الانكفاء ما يفسر ربما حالة الركود الحاصلة في بعض المقاطع وربما في عموم القصيدة , وهذا الركود هو الذي جعلها متزنة في مواقفها العاطفية وخاضعة لحالات الانكسار الأنثوي الموجود في النص
ما هقيت انك ولا مرة .... كذا ..... فكرت فيني
_ يوم انا مالي وجود إلا إذا فكرت فيك
_ وكل ما حسيت في قلب عروقه تحتويني
_ صوره عندي خيالي (لك).... وأتلهف و اجيك!
_ وآتوهم قبل ما .... أوصل ...... بأنك تحتريني
_ وآتساءل .. ويش بتسوي .. لو إني ما أبيك ...؟؟
_ وإقتناعي ....... إن ذا مكتوب مبطي في جبيني
_ وإنني ماني سوى لعبه .. وطاحت في يديك
حيث يجد القارئ لهذا الكلام أنها في الوقت الذي تندب فيه حظها إنما تتمنى أن يعود كل شيء إلى ما كان عليه , خاصة وأنها ربطت مصير هذا الحب بالشمس وما فيه من تغيّرات , وذلك أنه مهما ابتعد فسيعود , ومعهما غاب سيرجع , فهذا الحب هو بمثابة الشمس التي لا غنى للحياة عنها , شمس تشرق ثم تأفل وتغيب , لتعاود الشروق مرة أخرى
_ كل ما شفت الشروق.. اقول..هذا انت ابتجيني _
_ لين ما ذابت شموس الكون من شوقي إليك “
وهذا الوضع هو الذي جعلها لم تصل حد التشنج العاطفي أو الصَّرَع الشعري الذي انتاب العديد من الشعراء والشاعرات , ولا أعلم هل مرت به الشاعرة في نصوص شعرية أخرى , للأسف الشديد أم لا , لأنني غير متابع جيّد لنصوصها الأخرى , وفي عودة لقراءة النص بعد هذا الابتعاد البسيط , يحضرني شطر من الشعر للشاعر سعد الحريّص “ وترى اللي حب ما يكره “ وهذا ما لمسناه في هذا النص , إذ لم تكن الشخصية الشعرية في هذا النص أنانية أو كارهة , وإنما كانت نادمة وغاضبة وحزينة وآسفة , وهذا ما جعلها تستحضر حالات الفرح والابتهاج أيام زهوّ العلاقة ودفء التواصل
_ يوم انا مالي وجود إلا إذا فكرت فيك
_كل ما شفت الشروق.. اقول..هذا انت ابتجيني
_ وكل ما حسيت في قلب عروقه تحتويني
صوره عندي خيالي لك وأتلهف و اجيك!
_ وآتوهم قبل ما .... أوصل ...... بأنك تحتريني
_ وآتساءل .. ويش بتسوي .. لو إني ما أبيك ...؟؟
_ وإقتناعي ....... إن ذا مكتوب مبطي في جبيني
_ وإنني ماني سوى لعبه .. وطاحت في يديك
والمتفحص لهذه الأشطر يجد أنها تشكل أكثر القصيدة أو نصفها , وهذا ما يوضح أن الغضب كان أسفًا وأن الأسى كان هونًا , وإنما الندم ما هو إلا عتاب عصر قلب الشاعرة وفرض عليها كتابة هذا النص , فهذه المواقف الشعرية التي صورتها الشاعرة إنما مشاهد للأمل الذي ما انطفأ رغم تضاءل نوره وضعف بريقه , فهذه المشاهد لا يمكن تصويرها بهذه الدقة “ ما لم يكن في النفس شيء من حتى “ كما تتناقل كتب الأدب والنحو هذه المقولة الشهيرة .
محمد مهاوش الظفيري