يعتبر الطبيب بول هاريسون Paul Harrison الذي أشار إليه الشاعر الفيحاني حيث قال:
الحب طبه عسر
وأعجز «هريسون» و«ديم»
والحب مثلك قبر
ناسٍ وصاروا رميم
أحد أطباء البعثة العربية الأمريكية في الخليج العربي التي أوردنا شذرات من تاريخها في مقالات سابقة حيث امتد عمله ضمن نشاطات البعثة على امتداد الخليج من العراق إلى عمان ، وقد خلّد هذا الطبيب تجربته في شبه الجزيرة العربية في كتابين أحدهما «طبيب في الجزيرة العربية» والآخر«العرب في ديارهم» الى جانب بعض المقالات الاخرى، وقد قامت دارة الملك عبدالعزيز مؤخراً بنشر كتابه «العرب في ديارهم» باللغة العربية بترجمة محمد منير الأصبحي في إطار عنايتها واهتمامها بمصادر تاريخ الجزيرة العربية عموماً والمملكة العربية السعودية خصوصاً ونقلها من اللغات الأخرى خدمة للعلم والتاريخ والوطن.
جاء الكتاب في اثني عشر فصلاً مع ملحق جميل لصور نادرة التقطت في وقت مبكر لمجتمع الجزيرة العربية، حيث تناول المؤلف أسلوب الحياة في مجتمع الصحراء وفي مجتمع الواحات وفي مجتمع السواحل كما عرض مادة خصبة عن منطقة عمان الجبلية وعن بلاد الرافدين، وتطرق كذلك إلى الحديث عن طريقة حكم الأتراك لبلاد العرب، كما تحدث عن النفوذ البريطاني في المنطقة، ويكتسب حديثه عن الطب والجراحة في الجزيرة العربية الذي جاء في الفصل الحادي عشر من الكتاب قيمة علمية حيث أشار إلى أبرز الأمراض المنتشرة ووضح طرق المعالجة التي برع فيها أهل الجزيرة العربية مثل عمليات علاج الكسور وانحراف الأهداب وغيرها، وينظر هذا الطبيب إلى عمليات الكي الممارسة بكثرة من منظار علمي حيث يفسره بأنه يبعث الإثارة المضادة في الجسم ولذا فهو يؤكد أنها مفيدة جداً في علاج بعض الأمراض ولا عجب فإن التجربة خير برهان فقد أصيب هذا الطبيب بذات الجنب فأعياه علاج نفسه ولم يجد بداً من اللجوء إلى طب أهل الجزيرة العربية فكان شفاؤه على يد طبيب عربي لم يستخدم سوى الميسم الحامي!
وقد كتب المؤلف انطباعاته الإيجابية عن العربي في المناطق التي عمل فيها تلك الفترة فوصفه بكرم الضيافة والتدين والوفاء ومن ذلك قوله:” إنه رجل نحيل عصبي، بنيته البدنية تشبه وتر البيانو!، وذهنه حاد ونشيط، وروحه حرة على نحو لا يقارن وغير مقيدة، وهو في الوقت نفسه أكثر أصحاب النزعة الفردية عناداً وأعظم أصحاب النزعة العالمية على وجه الأرض! وهو يقف منتصباً وشامخاً، تحت عبء ظروف من الفقر ووطأة العيش تبلغ حداً من المحتمل أنه لا يوجد شعب آخر يتحمله في العالم، ويزدري بإشراق كل الكماليات ووسائل الراحة التي تنعم بها شعوب أوفر حظاً، وإخلاصه لصديق يثق به ولقائد عظيم ولدينه هو من نوع الحماسة الغامرة التي تبلغ أعلى درجة يمكن رؤيتها في أي مكان، وحبه للحرية، وإصراره على الإيمان بالمساواة الجوهرية بين كل الناس هما في الوقت نفسه تأنيب ومثال يحتذى بالنسبة إلى بقية العالم....إن البيئة قد نزعت كل شيء ناعم وجميل من حياة البدوي العربي ، لكن الصحراء تصنع الرجال.” ويتحدث عن مستقبل العربي فيقول:”...فالعالم يحتاج إلى العربي وقد لا يوجد عرق لديه إسهام أغنى يسهم به منه...وإذا كان يوجد شيء في هذا العالم يمكن أن نعدّه مؤكداً فهو أن هذه الموهبة لا يمكن أن تتطور في ظل وصاية أجنبية إرغامية” وفي الكتاب لفتات تاريخية وطرائف ولطائف اجتماعية سنحاول عرضها في مقال لاحق بإذن الله.
قاسم الرويس