
مما حدث !
كتبت في مقال سابق وهو منشور ان النص – اياً كان جنسه الادبي – ولا يستطيع ان يفهمه القارئ هو نص غير مفهوم ، فهناك فرق كبير بين نص لا تعرف تفاصيله الصغيرة أو ، لا تحبه ، أو لا يناسبك الخ وبين نص لا تدري ماذا يريد كاتبه ، اتذكر وكنت في سن صغير قرأت لأحمد دحبور الشاعر الفلسطيني الكبير ديوانا بعنوان ( واحد وعشرون بحرا ) ، وقد كنت قبلها تعرفت على بعض قصائده من خلال دواوينه القديمة ، وله عدة دواوين شعرية صدر بعضها في ستينيات القرن الماضي كالضواري وعيون الأطفال ، فلم استطع التعايش وقتها مع قصائد الديوان ، فأصابتني الريبة ، ولم اعتمد على ذائقتي ولم اثق بها ، وهو الخطأ الفادح الذي نرتكبه حين نحتاج التآلف مع ارواحنا فنشك بنا ونبرئ الآخر من تهمة اقصائنا عنه !
إلا انني وربما لصغر سني وتجربتي لم اتمكن من فهم هذه النظرية كما اسميها المهم انني تحدثت مع الشاعر الفلسطيني الاستاذ الكبير محمد الاسعد أحد ابرز الشعراء والنقاد العرب وصاحب التراجم المعروفة والذي تشرفت بمزاملته صحافياً نهاية الثمانينات ، فقال لي انه أسوأ دواوين دحبور !
كنت اريد فقط من يسند رأيي وقتها لا لأعجبني ، بل لأثق انني قادر على الفرز ، وكل قارئ لا يستطيع العبور الى النص فلا يعني ذلك اكثر من فشل العمل في عبوره هو الى القارئ ولا يعني كذلك فشل صاحبه ، فهي تجارب تخبرنا الحقيقة وترينا الأمور بشكل واضح ، لا اريد الاسهاب أكثر في هذا السياق اذ يحتمل الكثير من الأمثلة والتفاصيل ، ولكني ارى ان هذا الأهم الآن !
«2»
- قد يفتقر النثر للقافية والوزن ، لكن لا يفتقر للموسيقى الداخلية للنص
يقول ابو حيان التوحيدي العلم الشهير « أحسن الكلام ما قامت صورته بين نظم ‘كأنه نثر، ونثر كأنه نظم » وهو ما نراه في نثر محمد الماغوط على سبيل المثال الذي تفوق بالنثر على أكثر الشعر وكتب عنه الشاعر العظيم محمود درويش في ذكرى رحيله قبل عدة اعوام : « هو فضيحة شِعرنا فعندما كانت الريادة الشِّعريّة العربيّة تخوض معركتها حول الوزن وتقطّعه إلى وحدات ايقاعيّة تقليديّة المرجعيّة وتبحث عن موقعٍ جديدٍ لقيلولة القافية في آخر السطر أم في أوّله في منتصف المقطع أم في مقعد على الرصيف وتستنجد بالأساطير وتحار بين التصوير والتعبير كان محمد الماغوط يعثر على الشِّعر في مكان آخر كان يتشظّى ويجمع الشظايا بأصابع محترقة ويسوق الأضداد إلى لقاءات متوتّرة كان يدرك العالم بحواسه ويصغي إلى حواسه وهي تملي على لغته عفويتها المحنكة فتقول المدهش والمفاجئ فجاء بنَص ساخن ومختلف لا يسمّيه نثرا ولا شعرا فشهق الجميع :
« هذا شعر » !
وفي الوقت نفسه لا اميل الى خلط الأجناس الأدبية والاكتفاء بكلمة « نص » لتكون بديلاً عن المسمى ، فالشعر شعر ، والنثر نثر ولا يقلل ارتفاع شأن أحدهما من شأن الآخر إلا بعين لا ترى الحياة جيدا ، أوعين بالأصل لا ترى !