سرعان ما تتباين مشاعر البعض بين نوبات التعوّد و حالات الاعتياد بسبب الادمان على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت المتنفس الوحيد للكثيرين في التعبير عن مشاعرهم أو إدعائها كما الحال عند الإصطياد في الماء العكر ، لعدم وجود رقيب على سلوكيات الشخص و هويته أو تطاولاته لتحقيق غاياته باشباع النفس بقليل من الوهم و الكثير من الجرأة ....في زمن تكاثرت فيه الهموم و الضغوط و طغت على واقع المرء و تطلعاته الى استقرار نفسي و حسّي ..
فقديما كنّا نقرأ و نسمع قصص الحب و العشق و تتكوّن لنا صور الأبطال على أرض الواقع ليصبح الخيال شريدا يبحث عن الطرف الآخر في الواقع ...لكن مع ما يتعرض له المرء من ارهاصات اجتماعية و نفسية أصبح يجد العالم الافتراضي الملاذ الوحيد الذي يلجأ إليه للاحساس بلذة الحلم أو رعشة القلب ، ليتنامى مفهوم العشق الافتراضي الذي أصبح الحلّ الأمثل لكسر حاجز الصمت و التعبير بحرية تتعداها أحيانا لسعات الجرأة و تقمص الأدوار ،،
و بما أن الانسان يعيش في أغلب الأحيان على هفوات الفراغ العاطفي و الوحدة أوجد له مفتاحا يشرع من خلاله أبواب الانتماء الوهمي إلى طرف آخر يقاسمه الحاجة ذاتها و النقص بسبب ارتفاع نسبة العنوسة في صفوف النساء و الرجال ، حيث أثبتت الكثير من الدراسات الاجتماعية أن معظم الناس يفضلون التواصل الافتراضي حتى لا يعي الأخرون حركاتهم و تعابير وجوههم اضافة الى الشعور بالاحراج و الخجل و كسر الطابوهات دون أي فوارق في الدين و المعتقد و الثقافة ، هذا الشعور الناتج عن الانطواء و العزلة من المجتمع المحيط الذي يكون مليئا بالانتقادات ، فارضا اساليب القمع في التعامل معهم و إطلاق الأحكام ... ، حيث أن معدل الوقت الذي يقضيه البعض في غرف التحادث يتراوح بين عشرين وستين ساعة اسبوعياً وهو معدل مرتفع تحذر من عواقبه هذه الدراسات الاجتماعية التي ترى فيه نوعاً خطيراً من الإدمان
كما أنّ قلة الوازع الديني و انعدام الوعي بسلوكيات التواصل و أهدافه و تسخيره سلبيا في خدمة ذاته الإنسانية و النفسية سببا كبيرا في خلق العديد من المشاكل الاجتماعية للبعض و إساءة المفهوم التواصلي للأخرين، بسبب تضاؤل الحوارات الرصينة كالمسائل السياسية والاجتماعية والدينية والعقائدية التي تراوح نسبتها بين 15 و20 في المئة, علماً ان الشباب ينعمون بكامل الحرية في التعبير عن آرائهم خلافاً لأي وسيلة إعلامية اخرى من جهة وبعيداً من سلطوية الأنظمة وقمع الأجهزة الحكومية من جهة ثانية اضافة إلى انحدار مستوى التخاطب الذي يتجه في احيان كثيرة الى الإسفاف والتجريح والفقر الفكري والخروج عن حدود الأدب والأخلاق والحوار الموضوعي خاصة في المواقف التي تتناقض فيها آراء كل من الطرفين .
لنؤكد بدورنا و نجزم أن حدود الافتراض تبدأ من كبسة زر واحدة و تنتهي عند معاناة معالج نفسي ...حيث يستوجب علينا التعامل مع الشبكة الافتراضية بإيجابية أكثر للاستفادة من المعرفة الفكرية لدى الآخرين و استثمار ثقافتهم و تطلعاتهم دون التفكير في سلب عذرية التقنية لخدمة نزوات النفس فقط...
بقلم/ سناء الحافي