للرنين الذي يحدثه دق النجر أو كما يسمى في بعض الدول العربية ب(الهاون)و(المهباش)و(المدق ) أقول الرنين الذي يصدر عن هذا النجر أثناء الدق يشكل أهمية وقيمة بالغة عند العربي وهذا ماتوصلتُ إليه فعلاً من خلال المشاهدة والقراءة فهو بالنسبة له وسيلة طرب ومصدر إلهام بل إنه يحرك في دواخله الكامن من المشاعر والشعور ويتجلّى ذلك صريحاُ فيما تناقلته الرواة من قصص وأبيات كان النجر ورنينه حاضرين فيها بقوة نستدل على ذلك بقول أحد الشعراء
مـل قلـب طـايـل غـلـه وكـانـي
مثـل نجـر كــل ماحـسـوه دنــي
و قد عُرف عن العرب اشتهارهم بالكرم لذا فالنجر من وسائل تقدير الضيف وإكرامه كونه أداة لتحضير القهوة التي كانت ولازالت رمز الضيافة العربية لذا كان العربي يحرص على أن يكون صوت النجر عاليا كي يسمعه المارة والجيران حتى يأتي من يريد شرب القهوة.وحول ذلك يقول الشاعر الأعمى عجران بن شرفي :
يافهيد صك النجر يوحيك بتـال
صكه كفـاك الله جميـع الاذايـا
ثم دن نجر في الدهر يعول اعوال
اعوال سبع لي حدتـه الضرايـا
وعليه كيف لي من البن فنجـال
جعل الرخوم ونسلها لـك فدايـا
وفي ذات السياق أيضاً يقول الشاعر الشيخ تركي بن حميد :
يامحلا ياعبيد في وقت الاسحار
جر الفراش وشب ضو المنارة
مع دلة صفرا على صالي النار
ونجرا الى حرك تزايد عبـارة
النجر طق وجاذب كل مـرار
مالفه الملفوف من دون جـارة
كذلك هو الحال مع الشاعر الأمير محمد السديري الذي عبر هو الآخر عن رغبته في إكرام الضيف مستخدماً للدلالة على ذلك لفظة النجر في سياق أبياته التي يقول فيها :
يابجاد شب النار وادن الدلالـي
واحمس لنا يابجاد مايقعد الراس
ودقة بنجر ياظريـف العيالـي
يجذب لنا ربع على اكوار جلاس
أما هايس بن مجلاد فيجعل صوت النجر دلالة على طربه وسعادتة بقدوم الضيف فيقول :
نجر يصيح من الطرب تقل بحجاب
يصبر على طول الدهر للمواجيـب
أما أحد الشعراء فقد بلغ إعجابه بالنجر درجة جعلت منه يصوغه في لغز شعري يقول فيه :
أبنشد اللي لحـل الألغـاز معتـاد
عـن شايـب دايـم يمينـه تبكيـه
يصيح بأعلى الصوت وتجية الأجواد
ولايشتكي من الهم ولاحـد يشكيـه
..
ورغم التطور والتقدم وإستحداث الات وأجهزة تعوض عن بعض الأدوات التقليدية فقد استبدل البعض النجر بالطاحونة الكهربائية لسهولة وسرعة استخدامها في طحن القهوة لذا أصبح من النادر سمع صوت النجر الذي لازال البعض يتوق إليه ولذكرياته معه بل ويتألم لفراقه وفي ذلك يقول الشاعر حامد بن مايقة :
ياعاملين البن وسـط المحاميـس
لاتقطعونه عن حشـا مرضعاتـه
ردوه لمات الخشـوم المقابيـس
صفر الدلال اللي عليهـا حلاتـه
ماعاد شفنا البن وسط المحاميـس
يحمس وصوت النجر طول سكاته
عموماً لم ينقرض النجر في كل البيوت فثمة منازل لازالت تعبق بالماضي الأصيل وتحتفظ بكل مايمت له بصلة تماماُ كمنزل جدتي التي لازالت تعد القهوة العربية مستخدمة الهاون في طحن الحبوب ولعلي أتوجه إليها لأحتسي معها فنجان من قهوة زمن الطيبين ...
نجاة الماجد