ساءني كثيراُ ذلك الابن الذي قرأت قصته قبل أيام في إحدى الصحف والذي أقدم على قتل والده متعمداُ وذلك بصدمه والسير عليه بواسطة عجلات سيارته عدة مرات والعياذ بالله ولا نعلم ماهي الأسباب التي دفعته لذلك غير أننا نسأل الله له الهداية ولوالده بالرحمة والمغفرة ... ومن يتأمل معي حال هذا الابن والجزاء الذي قابل به والده وهو من رباه وعلمه وأحسن إليه يجده وأقصد هنا الابن نظيراُ وشبيهاُ وقريباُ من طير ابن برمان الذي كان سبب في مقتل صاحبه هو الآخر رغم أن الفرق بين الابن والطير أن الابن ميزه الله بالعقل الذي يفرق به بين الحق والباطل كما أن الابن أقدم على فعلته النكراء متعمداُ بخلاف الطائر الذي أقدم عليها عن غير قصد وبدون عقل .
وطير ابن برمان لمن لم يعرفه أو يسمع بقصته هو من الطيور الجيدة وكان ابن برمان يعتمد عليه في الصيد والقنص وفي يوم من الايام خرج ابن برمان بطيره هذا إلى البر ثم اطلقه وجلس يراقبه حتى اختفى هذا الطير واطال الغياب إذ أنه لم يجد صيداُ لكنه أثناء العودة وجد في طريقه حية رقطاء قد التفت حول نفسها فانقضّ عليها الطير وأنشب مخالبه فيها وطار بها حتى وصل الى ابن برمان وكان ابن برمان ينتظره على احر من الجمر فلما رأى الطير استبشر واخذ ينظر اليه ومعه الصيدة ولم يعلم ابن برمان ماهذه الصيدة حتى القاها على رأسه فإذا هي حيه تباشره بلدغة فيموت على الفور وتموت تلك الحية ويبقى الطير أمام هذا المشهد المحزن وكأن الطير قد أحس بذنبه ورأى من رأى ذلك المنظر وشاهدوا آثار مخالب الطير بجسم الحية واستدلوا بذلك على القصة وأصبح طير ابن برمان مثلاُ شاع بين الناس لكل من يُرجى منه خيراُ فيأتي بشر .
هذا وقد امتد أثر هذه القصة حتى على الشعراء أنفسهم واستشهدوا بقصة هذا الطير في قصائدهم للتعبير عن أمورهم المتعسرة ومن هؤلاء الشاعر عبدالرزاق الذيابي الذي يقول في قصيدة له طويلة اخترتُ منها هذه الأبيات التي شبه فيها حظه العاثر بصاحب طير ابن برمان قائلاُ :
انا وحظي! سالفة راعـي الطيـر
ياطير إبن برمـان فرقـا وفرقـا
تعب عليـه ودبّـره خيـر تدبيـر
وسرح بطيره يدرق الصيد درقـا
وهَدّه بغاه يصيد ويجيب له خيـر
وعَوَّد عليه بحيّـة الغـار زرقـا
وده يصيـد وراح فيهـا مقاديـر
مات وعليه إقلوب اهاليـه حرقـا
وياحظ ياللي نـازلٍ بالأصنصيـر
متى ياحظي تلتفـت لـي وترقـا
وعلى ذات النهج سار شاعر آخر فصوّر حاله وظروفه القاسية بعد تخرجه من الجامعة ومعاناته من البطالة فكتب قصيدة يشرح فيها معاناته قائلاُ :
أخترت درب وليتنا مامشيناه
وعرفت لكن يوم فاتت عليه
وانا اشهد ان اللي فعل ما فعلناه
يصبح سحق مابين صبح وعشيه
ولا يخسارة عمرنا اللي قضيناه
بدرس ٍ وردنا عقبه المهمهيه
بسبته عرفت معنى المعاناه
ومعنى الامور القاسية والشقية
والجامعة بعد التخرج حرسناه
وهذا دليل ظروفنا اللي رديه
واليوم يشبهني ومثلي حلاياه
حر ٍلابن برمان مجتاب حيه
وقد ينطبق هذا المثل أيضاً أقصد ( طير ابن برمان)على بعض الأفراد الذين يعمدون إلى اللجوء لكفيل في سبيل الحصول على قرض من بنك أو شراء سيارة أو منزل وغير ذلك وبعد أن يجد هذا الكفيل ويحصل على مايريد بفضل الله تعالى ثم بفضل هذا الكفيل الغارم فإن بعض هؤلاء المكفولين للأسف قد يتعمد المماطلة في تسديد ماعليه من اقساط ومديونيات ويكون الضحية هذا الكفيل الذي قد يودع في السجن أو يُطالب بالسداد عوضاً عن مكفوله نتيجة نخوته وشهامته من جهة ونتيجة مماطلة المكفول وإنعدام مروءته من جهة أخرى وأخيرا ، حذار حذار من فعلة تشبه فعلة طير ابن برمان ، فقد اتضح المثل وبان ، حتى ولو اشتهر واحتل ذاكرة كل إنسان ، فإن الخير في العمل لا في النقصان
نجاة الماجد