في الوقت الذي تصف فيه المجتمعات العربية ثورة الربيع العربي بالمفتعلة إعلاميا و دور هذا الأخير في فبركة ونقل الصورة الغير شرعية للمواطن العربي ، لأهداف تخدم فئة سياسية معينة ...أصبح الأدب العربي ضحية أخرى للاعلام بعدما أصبح سلعة يتاجر بها الكثيرون كما لاحظناه في المسابقات التلفزيونية الشعرية التي بدل أن تقدّم الشعر على أنّه فنّ هادف و رسالة فكرية تطهّر الروح من قشور الأحداث المؤسفة التي يعيشها المواطن العربي أبت الا أن تقدّمته سلعة تتداولها لأرباح محققة بالرسائل القصيرة و الاتصالات بوضع الشاعر في خانة الترشيح الوهمي كما هو حال الانتخابات في دولنا العربية و السلطة فيها لمن يحصد الأصوات أكثر ....
لكن ما يجعلنا ننحصر بين النظرات السالبة و الرؤى الناقدة هو الواقع الحالي الذي آل إليه الأدب العربي من إرهاصات و إخفاقات كبيرة و النظرة المادية الى المنتوج الأدبي على أنه سلعة خاسرة لا تقدّم إلا وجوها لا أنوي احتقارها لأنها بالنهاية كانت بضاعة مستردّة الى إشعار غير معلوم ...أما فرسان اللغة و الفصاحة نجدهم مهمشين و خلف الكواليس يتجرّعون مرارة الأسف و الحيرة لما أصبح الواقع الأدبي يعانيه الآن ، اذ نجد أن الاعلام المرئي أو الورقي أو الرقمي يقدّم خدماته الصفراء لمن سيجعله في صدارة الربح كرهان فقط لنتساءل متى يستطيع الأديب العربي أن يرى قدره و مقداره و وقاره...
إن ما دفعني لكتابة هذا المقال الذي ترددت كثيرا في الاقدام على كتابته هو ما صرت أستشعره من ترهلات في الجسد الأدبي الذي أصبح نحيلا لا يقوى على تقديم الجيّد و المميز و الهادف ، اذ أننا نعيش على تسارع المفردات و التصوير الذي يجعلنا في لوحة متشعبة ألوانها لا نفقه فيها سوى ميزة الألوان ، على عكس ما كنّا نتذوّقه سابقا من جمالية في الكلمة و المعنى و المبنى في الجنس الأدبي ،لكن الضمير الاعلامي لازال ينبض خيرا في بعض الجرائد و المجلات ليقدّم لنا الأدب بنكهته الحقيقية و عمقه التاريخي دون الاتكال على وزارات الثقافة و الاعلام التي دائما ما نجد في دولنا العربية أنها العاجزة عن تقديم اي شيء لمفكريها و أدبائها و صناع الثقافة فيها اذ طالما تسبقها الشكوى عن ضعف الميزانية في تأمين و دعم الأديب دون النظر على أنه الأجدر بأي نوع من الإعانة و التقدير نظرا لأنه القاعدة المثقفة و دعمه يعادل دعم المجتمع بأكمله فكريا و ثقافيا و روحيا ...لأنه بالنهاية هو لسان الأمة يتحدث عنها و يترجم صورها السلبية و الايجابية ، لكن حين نعاين الحقيقة من المنظور الاعلامي الصادق نجد أن قمع الأديب هو هدف واضح و تهميشه مقصود ، و ما تبقى للقراء سوى ما تركه التاريخ الذي أصبحنا نشكك فيه أيضا و في مصداقيته ...
ليأتي دور تجار الأدب في استغلال هذا النقص التقديري للشاعر الذي طالما يبحث عن ذاته في أروقة الاعلام لربما يدخل التاريخ من واسع أبوابه ،إلا أن ذلك بات مكشوفا للعامة لكن 90%من المسابقات والمحاورات الشعرية تجارية وربح مادي حيث يعتبرها الكثير من فرسان الكلمة و الأدب أنها مسابقات سطحية لا تستند إلى قواعد علمية وفكرية وأدبية ومعرفية وثقافية، لا تستند إلى ينابيع غزيرة من الأدب والمعرفة والعلم وإلى مصطلحات ومراجع وأبجديات من الثقافة والفهم الغزيز والمعانى الدقيقة ولكنها مسابقات تجارية وغالب ما يجري عليها كلام «غث» «هش» والمقصود بكل أمانة من هذه المسابقات الربح المادي، ليبقى السؤال مطروحا : لماذا لا يخصصون سنويًا جوائز للأدباء المبرزين وأهل الفصاحة تكريما كل سنة لعدد ممن يستحقون التتويج على أنهم شعراء عصرهم و رواد ثقافة نعتمدها و نفتخر بها أمام الأجيال القادمة التي لا نملك لها في جعبتنا سوى بعض التخاريف قد تسمى يوما : حالة قاصرة تشبه الشعر .. من هنا ....جاءت الطامة الكبرى بعدما أصبح الاعلام يأخد بنا حيث يريد و يعيدنا الى نقطة الصفر متى يريد،فالتسويق للأدب كسلعة أثبتت خسارتها في الكثير من المنابر الاعلامية جعل الكثير يعيدون النظر في ألقابهم كالشاعر فلان و الشاعرة فلانة وأنا أولهم !!!