كنتُ أتحدث مع ابن عمي أبو ماجد ، وهو من أبناء العمومة الذين أملك معهم قدرة على فتح قنوات تواصل فكري بالحديث حول القضايا بميل حضاري بعيد عن النزعة القبائلية ، وكان الحديث حينها يدور حول “ ضغط الرابط القبلي على تغيير مفاهييم الإنسان تجاه القضايا “ ..! فكأنّ النسيج الاجتماعي يهمّش فكرة الواحد منّا تجاه الحدث ، ومع ذلك لا يتيح له الخيار إلا بالاندماج مع ( ضولة القبيلة ) والدخول بلوائها والموت في سبيلها حتى لو كان رأيهُ بالمعركة خارج النسق العام !! وعندما أقرأ الآية “ وجعلناكم شعوبًا وقبائلَ لتعارفوا “ لا أجد أي مسوِّغ شرعي لهذا الذي يحدث على أرض الواقع فكأنّ قيمة “ التعارف “ التي أسّست لها الآية حُرفّت إلى ( تعاركوا ) لتُجْبَرَ كفرد على الانسياق الأعمى لتكون مقاتلاً تحت لواء قبيلتك و ضد ألوية القبائل الأخرى سواء أكان فعلك بقناعة أم بغيرها ..! والملاحظ أنّ النزعة إلى الصراع لم تتوقف عند هذا الحد بل تطورت إلى دفع القبيلة بمواجهات سياسية !! والغريب أنّ هذه المواجهات بدأت تعبث في الثابت الجغرافي ؛ فأنا كسعودي جغرافيًا ، وكمطيري اجتماعيًا بدأت أتفاعل خارج حدود الطبيعة بشكل غير مبرر !! وما كان هذا التفاعل إلا لأنّ هناك ضغط يجبرني شعوريًا لا عقليًا على اتخاذ موقف مع القبيلة وضد الجميع ..! هذا الضغط سببه إدراك أن التخاذل عن القبيلة جزاؤه التهميش الاجتماعي وبمعنى آخر ؛ ( الهَتْم ) !! فكأنك حينها تقول لنفسك : “ الموت في سبيل القبيلة !! ولا الحياة على قيد الموت الاجتماعي “ ..! وبكل صراحة هذا الحديث الذي تطرقت له منطلقه تقييم حالة الفوضى في هذه الفترة ؛ والتي سببها محاولة مزج القبيلة بالسياسة بالتقريب بين النسب والتوجّه بمرحلة لم يصل فيها أفراد المجتمع لوعي تام ..! ليكون الأثر كله للعواطف لا للعقول ؛ لتجد واحدنا جاهز للإقدام على خطوة مجنونة حتى لو شُهِد له برجاحة العقل !! لذلك لا تعتبوا على الشعراء في منابر القبائل وهم يقولون ما لا يتوافق مع مبادئهم ..! فسر القبيلة الباتع الذي يدفعكم للموت بدون فهم هو نفسه الذي يدفع الشعراء للقول بغير قناعة !! وعلى العموم ؛ أنا جاهز شعوريًا لأموت في سبيل قبيلتي في أي معركة تشاء حتى وإن كان موتي خسارة لا مبرر لها ..!