في بعض الأحيان حين نحاول أن نصرخ بشيء داخلنا فإنه يبقى في داخلنا نحن كذلك لا نود له أن يسكن مكان آخر غير مكانه ، الكتمان أشد وضوحاً وقوة حاله كحال الصمت في أحيان كثيرة ، لأن الصمت لا يخطئ ولا يكذب ، لا يجرح أحدا ولا يؤذيه ، ربما يجعل الشخص المقابل في لحظة ترقب وانتظار لما بعد الصمت ، لكنه بذات الوقت يصل إلى آخر الدنيا ، لحظة الانتظار هنا بحد ذاتها متعة ، إنتظار أكثر برودة من حرارة الانتظار ، هناك من يقول بأن الإنتظار نار وهناك شبه إجماع على ذلك لم ترتقي بمستوى قاعدة لكنها تمثل ذلك عند البعض ، ولأنها لم تكن قاعدة ولأن لكل قاعدة شواذ في حالة اكتمال تشكيلها كقاعدة بالطبع أجد أن الإنتظار يمثل حالة ترقب لقادم غالبا ما يكون إيجابيا ، لأننا في رحلة الإنتظار نشكل ما نريد ونعيش ما نريد ونرسم لوحة ننتظر بروزا مناسبا لها وهذا ما سوف تقدمه اللحظات التي تلي الانتظار مباشرة وأيضاً أجد أن غالباً يكون البرواز مناسب جداً لما رسمناه في إنتظارنا .
أعود مرة أخرى إلى الصرخة التي تحدثت عنها في البداية ، الصرخة التي تمثل ما نود قوله دون أن نقوله نود أن نصرخ بها ويصل مداها إلى آخر حدود الكون لكن لا نريد أن يسمعها أحد ، الصرخة التي نقول من خلالها كل شيء ونوصل من خلالها كل ما بداخلنا لما يملك القدرة على الاستماع لنا جيداً حتى قبل أن نتحدث وقبل أن نصرخ ، لأننا نؤمن بأن الكلمة التي تخرج منا يجب ان يكون لها مستمع ومتلقي وبأننا نحتاج أن نكون أكثر تميزاً فنقول دون أن نقول ونجد هناك من يسمع .
هو الصمت الذي يجعلنا نرسم ملامح وحركة شفاه تحاورنا وابتسامة تغلف صمت وتشكل من خلالها كلمات وجمل وقصائد شعر ، الصمت جعلنا نرسم ونكتب ونصيغ أعذب القصائد الشعرية ، جعلنا نبحر في خيالاتنا ، ونحلق دون أجنحة لكننا نجوب العالم وفي أي بقاع الدنيا نهبط ونعيش ما نريد بالهدوء الذي نريد .
الإنتظار صرخة صامتة ... الإنتظار صمت صارخ
وما بينهما نحن .