هو مرشد سعد بن بذَّال الرشيدى ـ شاعر علم ـ شهرته بين الناس “مرشد البذال” على اسم جده شاعر الكويت النبطي الكبير .
ولقد ولد شاعرنا بالكويت في حوالي سنة 1329هـ الموافقة لسنة 1910م وشب كما يشب زملاؤه في ذالك الحين. ولما بلغ الثامنه من عمره ارسله والده للملا زكريا ليتعلم على يديه مبادى القراءة والكتابة. ولما اخذ قسطا من التعليم انطلق الى الحياة العامة، واخذ نفسه بما يـأخذ به اقرانه في ذالك الحين، بحثا عن الرزق، فعمل في الغوص مدة كبيرة ، ثم لما انتهى من الغوص جعل يزاول البيع والشراء، الى ان عمل موظفا بحكومة الكويت، وعندها استقرت نفسه وهدأت حالة، واخذ يقول الشعر منطلقا في كل ناحية وفي كل غرض من اغراضه.
ولقد بدأ يقول الشعر وهو في حوالي الثامنه عشر من عمره، وتأثر بعدة من الشعراء المعاصرين له امثال الشاعر سليمان بن شريم، والشاعر صقر النصافي، وعبدالله بن غضاب وعبدالوهاب النجدي ومحمد بن عبدون النجدي، وعدة من الشعراء الحالين، فكان يحاكيهم تارة ويحاورهم اخرى الى ان برزت شاعريته وصقلت موهبته، فأخذ يقول الشعر منفعلا في ما يجول في خاطره متأثرا بما يراه ويشاهده في مجتمعه. فنراه يصف رحلات القبائل، وحياة القبيلة ، وصفا صادقا خلابا،
يجعلنا نعيش مع القبيلة في حلها وترحالها، والحياة الاجتماعية الي تسودها، وتعاون رجال القبيلة معا في سبيل خيرها وسعادتها . وكيف ان الرجل الشهم الشجاع يجلب لي قبيلته المجد والعز والسؤدد، وان الرجل الجبان الرعديد قد يجلب على قبيلته الخزى والعار.
ثم يلتقب الى مجتمعه الواسع الذي يشمل القبيلة والمجتمع الحضري، فنراه يحض الناس على التمسك بالفضيلة والخلق القويم كالتمساح والبعد عن البغضاء والشحناء، ويدعو التعاون والتواداد، وان يكون الناس سواية، واخوة متضامنين متصافين، وان العمل الطيب خالد لا يزول وان العمل السئ يظل يذكر به صاحبه. ولذا نرى ديوانه خاليا من الهجاء ومن التحامل على الناس والكيد لهم، ولاعجب فنفس الشاعر نفس صافية رضية هادئة لاتكن الا الحب للجميع والا العمل على ازالة اي خصام يقع بين الاخوة، فهو دائما يشبه مايقع بين الاخوة بأنه سحابة لاتلبث ان تهطل بالخير العميم على الجميع. ولايخلو ديوان الشاعر مرشد من ايراد الحكم والمواعظ يلقيها على مسامع الناس ليفقهوا مافيها من حكمة واعية ، ويستوعبوا مواعظه وارشاداته وما يدعو اليه من دعوة الى الرشاد، وحضن على التمسك بجيل الشيم وعظيم الخصال ، ثم نراه في ديوانه يساجل الشعراء المعاصرين له ويحاورهم ويراسلهم في اسلوب رائع وقالب رصين.
ولم ينس شبابه حق الهوى والشباب، فنراه يقول في الغزل فيبدع ويأتي بأرق العبارات وأسماها، الا ان شعره في التشيب والغزل كان عفيفا، طاهرا بريئا من هفوات الشباب وشحاطتهم ، بعيدا عن نزقهم ونزواتهم.. ومع انه لم يكتسب بشعره ولم يبذل وجهة شأن الشعراء المتكسبين بشعرهم، الذين جعلوا همهم من نظم الشعر جمع المال والا تزاق به ، بل كان شعره ينبع من ضميره ومن وجدانه انفعالا بما يراه وتأثرا بما يحس به، كما اننا نرى له مرائي مبكية مثيرة للدمع مثيرة للشجن تصور وقع الفاجعة وهول المصاب ، في رثاء بعض الشيوخ الراحلين وبعض الاخوة والاصدقاء فنرى صدق العاطفة وقوة اللوعة ومقدار الاألم الدفين الذي ألم بشاعرنا عند فقد بعض الشيوخ والاحبة الراحلين. وبالجملة فأن شاعرنا الكبير قد أبدع في كل غرض وبرز في كل ميدان من ميادين الشعر ، فهو صاحب العطاء الشعري الكبير فهو بشعره يقف في صفوف كبار شعراء النبط حيث أنه قدم إنتاجاً غزيراً جداً لم يسبق لشاعر قديم أو محدث أن قدم ما يماثله من حيث الكم والجودة سمي بشاعر الجيلين فقد كان في مقدمة الشعراء القدماء وعاصرة الجيل الحديث وهو في المقدمة وقد صدر له أكثر من ديوان حيث بلغت مجموع دواوينه الشعرية ستة دواوين ضمت من روائع الشعر النبطي الشيء الكثير ولا يستطيع الباحث أن يحدد بالضبط اتجاهاً معيناً لشاعرنا قد برز فيه أكثر من الاتجاه الآخر فهو بالغزل قوى لدرجة تفوق الوصف وكذلك في المدح والحكم والنصح والإرشاد وغير ذلك من أغراض الشعر النبطي المختلفة التي كتب فيها وبلغ حد الإبداع في كل غرض يطرقه ، وقد أسهم شاعرنا مساهمة فعالة في مسيرة الشعر النبطي بالكويت حيث أشرف فترة طويلة على برامج الشعر النبطي في إذاعة الكويت وكان مسئولاً عن كل ما يذاع بها نظراً لخبرته الطويلة في هذا المجال .
كان شاعرنا شاعر قلطة ينظم الشعر المرتجل ويقف أمام كبار شعراء هذا الفن حتى أصبح قمة من قممه لفترة طويلة من طواريقه بالقلطة هذا اللحن العسير من نوع الاختبار يقول مرشد :
اسمعــوا وافهمــوا رد الكــلام
يا سلامي على اللي يفهمـون أقـوال
من قـدم شريـف السـلام بلا جـزا
شاقه الولم
واغرم يوم جانبه مطاليب حاجات الرفيق
مـن عنـا لك وجـب حقـه وصـار
مـا لنـا فـي تشعبــاث الكمــام
أنت يا من لكجـح بالرجـم زولٍ زال
واستدنـا سـلاح الشجاعـة واعتـزا
ثبت العلم
وافكر لين تدرى أنه طلب قوم وإلاَّ أنه صديق
لا تـسـرع بتنفيذ الـمغار
ثم تحول شاعرنا للشعر المنظوم المكتوب وبرع فيه وامتاز بالمطولات ، ومن القصائد التى كانت الإطالة فيها لخدمة المعنى ، وعالج بشعره مختلف شئون الحياة مجسداً بذلك دور الشاعر فى خدمة مجتمعه من خلال التعبير عن آمال وآلام وتطلعات الشعب وكانت له نظرته الخاصة النافذة وله فلسفته بالنقد الاجتماعي البناء ووضع الحلول المناسبة للموضوع قيد المعالجة وذلك كله بقالب شعرى مميز كقوله
ترى بعض انهصـار النفـس رفعـه
يتـوجـها مـن الرفعـة بتـاجـي
وأعـرب أن العـوارف لـم يزالـوا
هـم النبـراس كـان الليـل داجـي
وترى كسـب الأديـب من الأديـب
هـدايـا مـا تبيـع بـالحـراجـي
بـها كسـب المعـالـي و الفخـور
إذا لك مـع هـل الفخـر اندماجـي
أنـا قـوله وأنـا ما حكـم بعرفـ
أقـول أنى مع أهل العـرف لاجـي
وأن تغـزل شاعرنا ظننته شاباً صغيراً لعب الغرام بمهجته وكوته ناره كقوله
ألا يـا عشيـري ويـن أنـا وأنـت
أشـوف الجفـا جـت لـه دلايـل
تبينـت لـي بـالحـرب و أعلنـت
نسيــت المــودة و الجمـايــل
وأظنــك علـى مثلـي تمـدنـت
قصـرت الشعـر والفـرق مـايـل
علامـك تقـص الـرأس لا هنـت
حسـافـة علـى ذيـك الجـدايـل
كذلك فقد برع بقصائد المدح والوطنيات وأهازيج العرضة الحربية كقوله :
لا بتــي مـا يفيــدن العـــذار
حـزّت النفـع جـا مـاجـو بــها
استعينـوا بعــون الله جـهـــار
والشجـاعـة تجـي بـدور بــها
الظفـر ما قصـر طـول العمــار
مـا لـلأرواح عــن مكتـوبــها
أمنـا اللــي بـرايـرهـا كبــار
كيـف نرضـى يمـزع ثـوبــها
كـم صبــيٍ بغـاهـا واستخــار
يــوم أهــل دارنـا عيّـوبــها
يا بـو سالـم حمـاكـم مـا يـزار
الأجـاويـد تـحمـى صـوبــها
ووصلت البلاغة بشاعرنا إلى حد يفوق الوصف فقد كان مرشد مبتكراً مجدداً بمعانية جديدة جيدة قليلة التكرار قوافيه كقوله من قصيدة
لا تقـول إن المـرض هـذا خطيـر
كم مريـضٍ طـاب ومبـاريه مـات
الرجـال شطـار كان أنـك شطيـر
كـان لـك دوره لهـم سبـع دورات
ولا تقول أسبق على العـدا الغديـر
إن جهمـت ركاب غيـرك ساريـات
يظهـرون ثنيـن من رحـمٍ ستيـر
صلب رجلٍ من عـذارات صايبـات
الإخـوان إخـوان ما فيـهم خشيـر
ميـر بس أن الفعـل فيـه افتخـات
وهذه واحدة من أجمل قصائده يرحمه الله:
الله لا يجـزا نهـار الــتــفــاريـــق
بالـخـيـر حـيــث انـــه يـكــدر عـيـونــي
حــيـــث ونّــاتـــه تـــحـــش الـمـعـالـيــق
حـــش المـخـالـب لـيـنـات الـغـصـونـي
نقلت مـن حمـل المـودّه مـا لا اطيـق
مستـدخـلـه و الـنــاس مـــا يعلـمـونـي
الـحـب جـــرحٍ صـايــرٍ فـــي مضـايـيـق
مثـل المـريـض الـلـي حيـاتـه ظنـونـي
والـبــدو غـربــال الـقـلـوب المـشـافـيـق
يــا مــا عـديـت خـلافـهـم و اتعـبـونـي
يـــا مـــا بـديــت بعـالـيـات الشـواهـيـق
اخـيـل فــي عـيـنـي تـوالــي الظـعـونـي
راحــوا لـهـم مــع كـــل حـــزمٍ طـواريــق
يمـكـن يصـيـر العـصـر مـــا ينـزلـونـي
عودت اذا ود عبرتـي خاطـري ضيـقْ
الله يـقـصـاهـم مــثـــل مـــــا قـصــونــي
ان دجــت بالمـرحـان بـيـضٍ لـواهـيـق
مــــا فـيــهــن الا بــايـــدات الـشـنـونــي
تنـسـف عليـهـن ذاريــات الصعـافـيـق
قـفــرٍ بـهــا الـجـمـري يـجــر الـلـحـونـي
عـزي لكـم يـا هـل القلـوب المشافيـق
عــقــب الــفــرح لابــــد مــــا تـكـرهـونـي
يـا طالـب منّـى عـلـى الـحـب تحقـيـق
عــز الله انــي مـنـه يــا وســع كـونــي
يـــا ونـتّــي ونـــة صــويــب التـفـافـيـق
فــي سـاعـةٍ و الـقــوم مـــا يمنـعـونـي
خلـوه ربعـه عـقـب مــا نـشـف الـريـق
اقــفـــوا يـطـالـعـهـم وهـــــم يــطــردونــي
اهـــل الـتـوالـي يـجـدعــون المـعـالـيـق
مــــا هــــم بـيـمــه لـيـتـهـم يـسـلـمـونـي
فـكّــر يـقــول ودمـــع عـيـنـه غــواريــق
الله يـخـيـبـهـم مـــثـــل مــــــا نــســونــي
ردوا علـيـهـم الـقــوم فـيـهـم مـطـافـيـق
قـيــل اصـبــروه و قـــال لا تـسـرفـونـي
قالـوا يمـوت و جيـل مـا فـيـه تبـريـق
مـــن الـعـطـب هـــذا حـيـاتــه ظـنـونــي
راحــوا و خـلـى طـايـح فــي شخافـيـق
مــا حـولـه الا الـطـيـر حـســه يـنـونـي
اهـــــو تــوجـــد مــــــن رداة الـتـوافــيــق
وانـــا اتـوجــد مـــن خــوافــي طـعـونــي
عـلـى ولـيـف حــرّق الـجـوف تحـريـق
والـيـا شكـيـت مــن الـغـلا سامـحـونـي
يا ما عنا لي في فراغة و في ضيق
ويــا مــا هـلـه مــن سـبـتـي يزعـلـونـي
أخــذت أنــا و يـــا الحـبـيّـب غـداريــق
مـــربــــعٍ لـــــــو الـــعــــرب يـمـحــلــونــي
والـيـوم خـلـي يفـهـق الـحــب تفـهـيـق
حــتــى الـمـنـدوبـي مـقـامــه امـهـونــي
طــــاوع مـدقــقــة الـســوالــف الـدقــيّــق
يالله عـســى الـعــدوان مـــا يربـحـونـي
يحول اظن العهـد عنـد الغضـى بيـق
أشــــوف نـيـشــان الـجـفــا بـالـعـيـونـي
مـانـي مــن نـــاسٍ تـواســق تـواسـيـق
ولا انـي مـن اللـي بالشـرك يربطونـي
ولانـي بصبـار عـلـى غـيـر مــا طـيـق
انــا مـــن الـلــي فـــي كـلامــه يـمـونـي
لـو كـان حبـه خـرق الجـوف تخريـق
لـيــا بـاعـنـي خـلــي يجـيـنـي زبــونــي
مني نصيحـة يـا القلـوب العشاشيـق