يزعجني دائماً في الحديث عن أوضاع الساحة الشعبية تبني الطرف الآخر لثقافة قتل الحوار بطعنة « لا تنظر للنصف الفارغ « ..! فإلى متى ونحن نهتم بالنصف الممتلئ هروباً من ذلك الفراغ الذي لا ندري ما يجول في داخله فما زلنا نتعايش مع مما تربينا عليه في بدء تشكلنا العقلي بالاعتماد على مصدر التلقين فلا نزال نتلقى المعلومات بهزِّ الرؤوس كأنّا نحاول جاهدين ترك مساحة من خلال خلخلة المعلومات المتراكمة بالتلقين من دون فهم فحواها فأصبح دورنا هو التخزين .. للتخزين حتى أصبحنا مستودع لكم هائل من مبادئ أكل عليها الدهر وشرب ..! ومنها : « لنترك النصف لفارغ ونهتم بالنصف الممتلئ من الكأس «
فنعمد إلى تهميش النصف الفارغ كطريق هروب من واقع نعمدُ إلى غض الطرف عنه لأنه هو حقيقة الخلل ..! فأصبحنا ننقاد إلى النصف الممتلئ بانقياد تام رغم أنه مستودع فارغ من الخطأ ..! ونحن بحاجة إلى التركيز على أخطائنا وعلاجها وهذه الأخطاء لا تتغلغل بالامتلاء بل هي جزيئات تنتشر بالفراغ ونحن نساعد على بقاءها بتبني « النصف الممتلئ ..!! « المضحك بالأمر أن أطراف النزاع الشعبي الأدبي يتفقون لا شعورياً على قفل باب الحوارات مع الطرف الآخر المحايد من خلال وضع نقطة « ممتلئة « على كأس الحديث ..! أحتاج إلى أصوات تنضم لصوتي لندعو بصوت عال لتبني ثقافة جديدة تركز على صب التركيز على فراغ الكأس الذي نتجاهله جميعاً ..!
فيا رفاق هذا الفراغ الذي نتجاهله هو مستودع الخلل .. وبغضنا الطرف عنّه سنجد أن نواقصنا تجول في فضاء رحب خلقناه نحن وتبنينا ثقافة تساعد كثيراً في الدوران في زاوية ضيقة ستبقينا في نفس المستوى ..
فأرباب المدرسة التقليدية و أرباب الحداثة والدهشة وكل المصنفين وغير المصنفين لا تجد منهم من يحاول ملء الفراغ بحقيقة تنقلنا إلى مستوى آخر .. بل الجميع يدعو إلى غض الطرف عن الخلل حتى نشعر بالإنجاز الزائف ..!
فرسالتي لكل من يقفل أبواب الحوار ها هي دعوة صريحة : فإما أن نمحص خلل هذه الساحة المختلة أو همّوا معي لكسر النصف الفارغ من الكأس حتى نبقي فقط على الجزء الممتلئ المريح جداً ..!!