ليس الذكاء في بدع الجديد في المجالات والاهتمامات الإنسانية ، بل الذكاء يكمن بالتجديد في تفاصيلها الثابتة ليظهر الإنسان كحالة خاصة رغم أنه يعتمد ذات الثوابت التي يعتمدها الآخرون في ذات مجاله واهتمامه !! فتصنيف ( حالة خاصة ) بالميل الإيجابي ؛ في حقيقته يقوم على هذا الأساس ؛ فنحنُ نتحدثُ عن كلٍّ بينهم واحد متفرد ، وهذا التفرد لم يقم على الإتيان بشيء خارج الطبيعة بل يقوم على التعامل مع الثوابت بشكل غير طبيعي !! فالشعر كحالة إنسانية تعبيرية تجد انتشارًا واسعاً في مجتمعنا ، فثوابته هي : - البحر - الغرض - اللغة - الصورة - الموسيقى .. الخ ، كل من يجيدها هو شاعر لكنه في الأخير يشبه كل الشعراء !! وكونه شاعراً فلا فضل وتفضيل لشاعريته !! القضية تتمثل بالحالة الخاصة ؛ وفي هذا الكم من الشعراء لا يمكن أن نتوقف إلا عند الكيف في الحالة الشعرية ، ومن ضمن مجموعة أثق بأنهم حالات شعرية خاصة ؛ يخطر لي اسم « بدر المحيني » كتجربة تتجاوز الخصوصية للتفرد بضمان عُنْصُرَي الأثر الحالي ، والتأثير في القادم ، وهذا الرأي لم يكن أبدًا وليد اللحظة فمنذ ظهور بدر المحيني الأول وأنا استشهد باسمه كشاهد على التجارب الشعرية الحالية التامة التي سيمتد حضورها لأكثر من الأثر إلى ترك كثيرٍ من التأثير في مستقبل الشعر ، ورغم أنّه ظهر في النسخة الأخيرة من شاعر المليون بعد أن فقد البرنامج الكثير من وهجه إلا أنّ الشاعر في بدر ترك كبير الأثر في نفوس المتلقين بتقديم نفسه بصورة فارقة ومتفردة ولا أظنّه رأيي وحدي ..! وحتى أُثبِّت رأيي هذا قلبتُ في تجربة بدر كشاعر ووجدت أن ثوابت الشعر عنده تُصْبَغ بصِبغةٍ خاصة له لا يملكها أحدٌ غيره ، فقيمة السهل الممتنع التي نتناولها كميزة في كامل قصيدة الشاعر وجدتها في نتاج بدر ، مجزأة على البيت الواحد بظهور شطر « سهل « و شطر « ممتنع « كقوله : « لا سادت عباة الليل وانتشر ت الـ لا باس .. طوينا مسافة كثر ما الجوع طاوينا « ، وغرضه لا يتجاوز باقي أغراض الشعراء لكنّه ضامن لنفسه التنوّع في تناول القضايا وتجربته المتنوعة في شاعر المليون خير شاهد لكنه يفرق في تناول القضية بخصوصية يكفلها لنفسه ، ولغته يعمدُ فيها لتخصيص القاموس باستخدام كلمات وتراكيب مقبولة رغم خصوصيتها كقوله « تلفاتنا ، الليلكي ، إلى آخر الموضوع .. « بالإضافة لطريقته الذكية بالخلط بين مصطلحات اللهجة وبعض المصطلحات الفصيحة ، وأيضْا مستوى الصورة الشعرية عنده عالي جدّا كما هو في مشهد « حمام الكنائس مثل عفوية الأطفال .. لذكراك ، منتشرة بكل اتجاهاتي « و كذلك « وكما كان يتمرجح صليبك من السلسال .. تمرجحت من وصلك وكان الهوى عاتي « وكذلك في بيته « نمس النبل الين ما نكسر الأقواس .. ولا طاحت الرمية سوى تحت رجلينا « وهذه الصور الجزئية في البيت تمتزج مع صورة كلية للقصيدة ، وكذلك في كل قصائده لم أشعر بغياب النوتة الموسيقية الخارجية والداخلية باعتماد ما يضمنها كاختيار البحر المناسب والقافية والاعتماد على اشتقاق الكلمة الواحدة وتكرار الحروف وأوزان الكلمات ، وهذا بعض من كثير ٍ يجعلني أثق في تجربة الشاعر بدر المحيني و أمنحه الخصوصية التامة التي تضمن له الحضور المؤثر بين شعراء زمنه و التأثير في الجيل القادم من الشعراء ، وهذا كله لم ينعزل عن تواضعه كإنسان فحينما حدثته عن فكرة المقال من باب الأدب بالاستئذان وجدتُ إنسان يتمتع بتواضع في الخطاب أجبرني على تأسيس فكرة أن العلاقة الأدبية معه كشاعر هي محركي في كتابة هذا المقال .. و أضيف في ختامه أن هذا البدر كله حالة خاصة في شعره وإنسانيته ..!
وسأهديكم من مقطوعاته بعضًا من الأقرب لروحي :
يا فرعونتي ، صورتك في كل سكة بال
وش الفرق بين الماضي الحاضر الآتي
ما بين النظر والعين منصوب لك تمثال
منين التفت أشوفك بكل نظراتي
حمام الكنائس مثل عفوية الأطفال
لذكراك منتشرة بكل اتجاهاتي
عليك السلام الجم بالحل والترحال
وعلي السهاد المضني بجهدي الذاتي
أنا ذكريات وعين ولهى وحلم وصال
أصيب الوسايد بس !! يخطيني سباتي