الأدب وما أدراك ما الأدب هذا الموضوع الشائك نوعاً ما والذي ربما يكون قد أُشبِع بحثاً وصالت العقول وجالت حول ماهيته وأجناسه وعصوره وكل ما يتعلق به قديماً وحديثاً , غير أنني في قرارة نفسي لا أؤمن بكل التعريفات
التي تطرقت لماهية الأدب فهو من وجهة نظري الشخصية أكبر وأعمق من الخوض فيه الأدب هو بحر زاخر بألوان الدرر , هو شمس تنير الحقائق وتكشف المستور هو وعاء للجمال . بل هو الواحة التي تستريح الأنفس بين ظلالها وتحيا القلوب بين رياضها وتغرد العصافير على أغصانها والأدب وما ينطوي تحت لوائه من فنون وشجون هو مصدر هام من مصادر المعرفة ، ووسيلة من وسائل الكشف المجهري لأحداث المجتمع وطرق تفكيره وأساليب عيشه فإذا أردت عزيزي القارئ إكتشاف شعب من الشعوب والغوص في تفاصيله الدقيقة فليس أنسب من الأدب وليس أقرب منه في توضيح الحقائق إيجابيةً كانت أو سلبية ...
ومن هذا المنطلق ولكون الأدب وسيلة من وسائل المعرفة والاكتشاف إلى جانب كونه سفيراً للدول وممثلاً لها بما يحمله من قصص وقصائد وسير وتراجم فإنه يجدر بنا معشر الأدباء أن نتحرى الصدق والنزاهة فيما نكتب وهذا لايعني أنني أرفض الخيال بل على العكس أنا أشجعه وأدعو إليه ولكن في حدود المعقول فالكتابة الأدبية مسؤولية وكلٌ مسؤول عما يكتب لذا كان جديراً بالكاتب أن يدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه فلا يعرض قلمه أو فكره للخوض في أمور ما أنزل الله بها من سلطان كأن يصور مجتمعه بصورة سيئة ويقذف هذا ويهجو هذا .. فالكتابة كانت وستظل رسالة سامية ينبغي أن يترفع حاملها عن سفاسف الأمور ويتجه بقلمه وعقله إلى جماليات الكون والطبيعة الخلابة بما حباها الله من حسن وسحر هذا إلى جانب تسخير هذا الأدب لخدمة قضايا الأمة والدفاع عن الإسلام ولا بأس في قليل من الترويح المنبثق غزلاً عفيفاً بعيداً عن الفحش والابتذال .
وفي الحقيقة كثيرون هم أولئك الذين تسلقوا بآدابهم المبتذلة قمة المجد ولكنهم للأسف الشديد سرعان ما تساقطوا من العقول ومن صفحة التاريخ فالتاريخ لا يصنعه الابتذال بقدر ما يقوم على الأفضال والخلوق في كتاباته هو في الأصل خلوق في سائر تصرفاته واللبيب هو من وضع نصب عينيه- قبل الخوض في مضمار الكتابة - قول الشاعر :
وما من كاتبٍ إلا سيفنى
ويبقي الدهر ما كتبت يداهُ
فلا تكتب بكفِّك غير شيءٍ
يسرك في القيامة أن تراهُ