يأتيك أحدهم يحمل شعارات وينادي بشعارات ومطالب حين تقع على مسمعك في المرة الأولى تقول بان العقول بخير وبأن هناك من يضع عقله أمامه ويقلبه من كل الجوانب ويختار الأنسب له والذي يخضع لقواعد ثابتة لا تتغير مهما تغير الزمان والمكان ، يضع عقله أمامه ويفهمه جيداً ويمنحه الوقت الكافي من القراءة من كل الجوانب ومن ثم يعيده لمكانه ليقرر ماذا يفعل وبماذا يفكر وإلى ماذا يريد أن يصل ، هكذا يخيل لك حين تسمع هذه الشعارات والمبادئ التي يتغنى به أحدهم الذي أرمز من خلاله إلى الكثير من العقليات التي أفرزها هذا الزمان للأسف ، جيل يطالب بالحرية وثبات حق الفرد في إبداء رأيه مهما كانت درجة الخلاف بينكم فتؤمن بما يقول علك تستفيد وتشارك بحملة الحرية السليمة المستندة على أصول الحرية وقواعدها الراسخة ، إلى هنا نجد المطالب محقة والشعارات سليمة ومنطقية ، لكن بعد هذا التفاؤل تأتي مع أول نقاش مع هذه الفئة لتكتشف أنها مجرد شعارات وأنه مجرد عربي يتغنى بشيء ويطبق شيء آخر ، مجرد شخص يتخذ من الشعار ملاذ هو أساس لا يفهم أبعاده يقول لك حرية رأي وحين تبدي رأيك المخالف لرأيه يظهر على حقيقته ويبدأ يرغي ويزبد وهات يا «علاك مصدي ».
بمعنى الأمر يتحول مع أول خلاف وعدم تطابق أراء من رأي ورأي آخر إلى عدو وعدو آخر ، حتى لو كان هذا الـ أحدهم قريب لك أو حتى إن كان شقيقك لأن الأزمة تفشت بالفعل ، والعدوى انتشرت ولم يعد هناك أي سبيل لعلاجها ، نقاش اختلاف وجهات نظر فحرب كلامية فتراشق فحرب طفايات ، وأتمنى أن لا يأتيني احد ويقول « خلك متفائل » .
تذكرت قول أستاذ لي قال ذات يوم بأن أغلب المشاكل التي نعاني منها سببها إسرائيل مهما كان المشكلة صغيره ، وهنا أنا أقول بأن الربيع العربي سبب كل ما نعاني منه من أزمات ، ربيع في ظاهره ومسماه وخريف في باطنه وتساقط أوراق لا تعود إلى أشجارها بل تتحول إلى نفايات وأشياء بلا قيمة ، حتى لو كان منظرها جميل عند البعض لكن الحقيقة أنها لا تعود إلى أغصانها ، الربيع العربي جعل العقول بأزمة ، الكل أصبح يتحدث سياسة والكل أصبح محلل سياسي والكل أصبح فاهم ومحلل ، الكل أصبح لا يعي معنى الرمز ويغير مفاهيم راسخة من أجل أن يقنع نفسه بأنه هو الطرف المحق ، الربيع العربي جعلنا نكره حتى مفردة عربي التي يرتبط فيها هذا الربيع ، الربيع العربي جعلنا أحاديي التفكير ، نفكر في بناء وطن بعد نهدمه على رؤوسنا ، نهدم لكي نبني ونحن نعرف بأن مواد البناء التي نستخدمها غير صالحة للاستخدام العربي وسوف يأتي اليوم الذي يتهدم هذا البناء على رؤوسنا من جديد إن بقينا أحياء من الهدم الأول ، عقول تقود أنفسها إلى المجهول وتقودنا معهم ، عقول تتحول إلى أداة لتنفيذ ما يملى عليها دون تفكير وتعيش وهم كبير وتجعل منها شرارة لنار تحرق كل شيء ولا تبقي على أي شيء إلا رؤوس فارغة من كل شيء .
لعقولنا علينا حق نعطيها ما تستحق من اهتمام حتى وإن كان ذلك عكس ما نريد في الوقت الحالي لكنها خطوة مهمة نحو قادم جميل دون أن نخسر ، كل ما علينا فعله هو نزع عقولاً مؤقتا ووضعها أمامنا والتفكير بتجرد، عندها فقط سوف أتفاءل ... ودمتم .