قدرُ الكاتب لايُشبه أقدار الآخرين بخاصة إن كان هذا الكاتب او ذاك من المبدعين الذين يحرصون كثيرا على إنتاجهم المقروء سواء كان شعرا أم قصة أم رواية ،أم فن تشكيلي ،فأولئك لايجازفون بتقديم أي شكل من أشكال إبداعهم إلا ّ بعد أن يثقوا فيه،فيقومون بمراجعة مايكتبون عشرات المرات لأنهم يؤمنون بأن مخاطبة الجمهور يجب أن ترتكز على قواعد مهمة أولها احترام عقلية القارئ واهتماماته وثقافته وخبرته الحياتية.
لأن القارئ حينما يتجه إلى مكتبة ما ليقتني كتابا معينا هو لا يذهب من فراغ بل إن ذهابه يرتكز على احتياج لقراءة تختلف عن القراءات العادية من هنا نلاحظ مثلا عند الأوروبيين وبعض الشعوب الأخرى ارتباطهم الوثيق بالكتاب فهم لايتحركون إلا وهو برفقتهم لأنه يعتبرون الكتاب أحد المحفزات الجميلة الدافعة للحياة الأجمل.
وما بين الكاتب والقارئ بون شاسع من الاختلاف فالأول مرسل للمعلومة والثاني مستقبل لها فإن شاب عملية الإرسال أي تشويش دلالي أو معنوي أومعرفي فشلت العملية برمّتها ،وأصبح من أسوأ نتائجها أن يعزف قارئ عن متابعة كاتب معين،وأن يدخل ذاك الكاتب في دائرة الشعور بالفشل والاحباط نتيجة عدم اهتمامه بالقارئ أو استيعاب احتياجاته النفسية والعقلية والشخصية.
من هنا فالأمر لايخلو من مجازفات كثيرة يتعرض خلالها كلا الطرفين إلى صدمات نفسية نتيجة مايكتبون ومايقرأؤن كذلك،وفي عالمنا العربي تكثر الكتب التي لاتستطيع قراءة أكثر من عشر صفحات منها نتيجة الانفصال القائم بين ما يروّجه الكاتب من فكر،وما يأمل القارئ في الحصول عليه من معرفة،ويمكننا بزيارة واحدة إلى معرض من معارض الكتب التي تنظم في أوطاننا لنشاهد وبكل أسى كميات الكتب وأرطال الصناديق المزدحمة بإصدارات أعيدت طباعتها فقط لتباع في المعارض لأنها وهي على أرفف المكتبات تعتبر من الكتب المهجورة التي يُنشر بعضها من منطلق أنها من التراث الإسلامي على سبيل المثال،والنشر لايأتي بهدف ترويج المعرفة بقدر ما يأتي بهدف البيع فقط.
إذن ثمة علاقة قوية بين الكاتب والقارئ يعزز قوتها ما يُنتج الأول،وما يستوعب الثاني من ذاك الإنتاج،من هنا نقول أن قدر الكاتب لا يشبه أقدار الآخرين،ولكن أي كاتب نعني على الدقة؟.