
مات أرنب طلال
.. وأحد الناس !
مضحك مبك أن أقول مات أرنب ولدي « طلال» الذي اشتريته مع أرنبين صغيرين ماتا كلاهما معا بعد فترة قصيرة فبقي أرنب طلال في البيت وحده ، وكلنا معه فاعتدنا عليه !
فحزنت جدا ، فلو لم أكن أمام الصغار لما كففت ماء عيني حين كنت أشاهده يموت أمامي وطفلتي « هند « تطبع قبلة خفيفة على وجه الأرنب قبل أن تذهب عني ، وطلال ينظر إليه بصمت ويحاول أن يكلمني بصوت منخفض جدا كان يريد أن يخبرني بشكلٍ ما أن أفعل شيئا فطلب أن نذهب به إلى الطبيب غدا إذ كنا قد صلينا الفجر فتذكرت الطفل « أبو عمير « حين رآه النبي حزينا ، فسأله صفوة الخلق صلى الله عليه وسلم عن سبب حزنه فأُخبره عن موت « نغره « العصفور الصغير الذي يلعب معه ، فأخذ عليه الصلاة يواسيه فيداعبه ويمسح رأسه ويقول: يا أبا عمير ما فعل النغير..!
فعذرت – للمرة الأولى في حياتي – زوجتي حين كانت لم تكن تريد منذ تزوجنا أن نأتي بطائر أو أي ما نألفه للصغار لأنها تعرف أننا سوف نحزن عليه ونشعر بذنبه، تعرف أننا سنفقده ..!
أخذت الأرنب لصومعتي التي أكون فيها وحيدا بين أما كتابة أو قراءة ، فلمسته فكان قد جمد جسمه إلا قليلا فأردت أن أقول له قبل أن يموت :
شكرا أيها الصديق الطيب..
شكرا لأنك أبهجت طلال وهند – وربما البيت كله - بك فترة طويلة ولم تتركهم إلا لظرف لا دخل لك فيه كما لا أحد فوق سطح الأرض يستطيع القيام بأي شيء ليمنعه
شكرا لأنك لم تسرق « قوتنا « ، بل شاركتنا فيه ..
شكرا انك لم تحتل بيتنا فتخرجنا منه بعد تتكاثر كالآخرين ..
شكرا لأنك لم تكذب ولم تخن ولم تظلم ولم تقتل ولم تأكل جزرة حراما ..
شكرا انك لم تؤذي أحدا رغم الأذى الذي يسببه لك رفاقك الصغار وهم يحملونك معهم ولا يدرون أنهم أقوى منك ، هم يظنون أنهم الأضعف ، ولا يدرون أن كل من كان قلبه لا يعرف الحب فهو ضعيف عاجز أن يجد لا من يحبه ولا ما يحبه في هذه الحياة .
وإن كل سلطة ٍغادرة..هي ضعيفة لدرجة الجُبن لأنها لا تقوى على الحق وإن كل طاغيةٍ ضعيف ، ولو تفرعن ، لأنه لم يعرف قوة الله سبحانه ، وما قدروا الله حق قدره .
وضعيفة حد الوهن كل امةٍ تنخر الديدان المحتلة جسدها على شكل وجبات سريعة بأوقات بطيئة متتابعة من مطاعم برنارد لويس وأشباهه وهو المليء بزيت الحقد المعتق والمعجون بالدم البارد ، والبارود منذ عقود ، كتبت «وول ستريت جورنال» الصحيفة الأمريكية: «إن لويس قدَّم تأييدًا واضحًا للحملات الصليبية الفاشلة، أوضح أن الحملات الصليبية على بشاعتها كانت رغم ذلك ردًّا مفهومًا على الهجوم الإسلامي خلال القرون السابقة ، وأنه من السخف الاعتذار عنها» ..!
فهو القائل : «يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها وعلى الأمم الغربية أن تقف في وجه هذا الخطر البربري دون تلكُّؤ أو قصور، ولا داعي لاعتبارات الرأي العام العالمي» .
صديقي الأرنب لا يعرف اتفاقية سايكس - بيكو التي حدثت عام 1916 ، ولا يعرف إنجلترا ولا فرنسا ولا كم تقاطعوا بينهم ما تبقى من المشرق العربي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى ..
وصديقي الأرنب لم يعرف بلفور شخصيا ولا وعده الذي جاء بعدها بعام عام 1917 لليهود في فلسطين أرضا وموطنا ..
ولا يعرف بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي القائل : « إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الآن – كان ذلك عام 1980م - هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود سايكس- بيكو ولكنه يعرف أن الحرية هي أخر وأفضل أمل على ظهر الأرض» كما يصفها المؤسس الأهم للولايات المتحدة وأول رئيس لها ابراهام لينكولن .
ويعرف أنها ثمن باهض جدا ، وعلى الذين يرغبون بها أن يدفعوه فإن الإنسان يصبح حراً في لحظة تمنيه لذلك كما قال فولتير.
أن هذا الصمت المهلك غير المبرر لهذه الزعامات والقيادات والحكومات الأحياء منهم والأموات لم يفعل شيئا ، ولم نر أحدا حاول كسر ظلمة الصمت الباردة لنوقد شمعة واحدة فقط ونقول أنها لن تذوب بل ستكبر، فإننا « تزعجنا المصيبة التي تهددنا كما يقول لانكستر أكثر من تلك التي أصابتنا بالفعل « فيزعجنا الخوف أن نردد مع مارتن لوثر كنغ أننا « في النهاية لن نذكر كلمات أعدائنا، بل صمت أصدقائنا « !
المضحك جدا أننا يا صديقي الأرنب يموت منا كل يوم أبناء وآباء ، وأمهات ، وبالقرب منا ، فلا نشعر بشيء رغم بشاعة الأحداث ، وتمادي صُناعها بالبطش والوعيد ، ولم نحاول أن نسمع أصوات الحطام المتكرر في قلوبهم ، وان حاولنا فإن موسيقى الراب تأتي صاخبة من مراقص البيت الأبيض إذ يحتفلون كل ليلة بابنتهم الصغيرة المدللة إسرائيل التي تجلس على المكتب البيضاوي ويفرك الرئيس قدميها ويموء بدفء كي لا تغضب عليه فتطّلقه « الماما « أو ترسله إلى حيث « جون كينيدي « ليؤنسه في كتب التاريخ الحديث ، ليعرف أن قوله « أفضل طريق للإنجاز هو الحرية» كان إيمانا لذا دفع ثمنه حيث القصة الحقيقة لموته لا قصة المتهم « أوزوالد « بالقتل ومتهم وبأي شيء يحمي القتلة !
في الساعة ( 0720) صباح الجمعة الأخيرة في رمضان 1432 لمسته بعد الذي قلت له فوجدته قد مات تماما لففت قطعة قماش على الأرنب وأخذته إلى مكان ليس بقريب جدا ، إذ خرجت من البيت بسيارتي لأدفنه لا أن أتركه بالعراء مهانا وكأنه أحد ضحايا السلطة المتسلطة الذين يتعفن القتلى بالطرقات فلا يجرأ من يكرمهم بالدفن حتى في اقرب حاوية !
لقد دفنته ليس فقط لأجل طلال الذي يحبه ، بل لأن كائنا حيا في بيتي وبين أبنائي قد مات فكيف لو كان إنسانا وكيف لو كان في ذمتي ؟! .
فحين يعجز الإنسان عن القيام بأي ما يشعره بالفخر ، فإن عليه أن لايقوم بأي ما يشعره بالعار ..!
وكما هو إكرام الميت دفنه بالنسبة للإنسان فها قد كما حفرت لك قبرك في منطقة برية ، كذلك عمرت لك في هذه الشبكة العالمية بيتا لا يأكل دود النسيان من أجساد أهله شيئا ، ويجعلك مع عظماء الأرض من الرؤساء والزعماء والملوك والساسة وأثرياء ، وحتى اللصوص - وهم الأكثر عددا بين من ذكرت - وستكون مرتبطا مع هذه الأمة كلما حل ذكرها ، وفي أي وقت نستخدم فيه أي من محركات البحث في هذا العالم الرقمي الفضائي وستكون صورتك ظاهرة مع الجميع بلا أي فرق ، إذ هي مهمة تقوم بها آلات صماء لاتعمل بالأهواء بل بالعدل ،
صديقي الأرنب :
فقد كنت بحق أهم من أبطال كل هذه الحكايات ، وأباطيلها بالنسبة لي أو لطلال على الأقل ..!