
قبل أيام ، فقدت الساحة الادبية والثقافية في الخليج أحد أهم أعمدتها الهامة ، الشاعر والاديب سليمان الفليح الذي وافاه أجله في العاصمة الأردنية عمان حيث بقي جسده هناك.
وكان خبر وفاة هذا الأديب قد زلزل أرض القلوب التي عرفته والعقول التي تعرف قيمته الأدبية وقامته العالية ، فكان أثر ذلك الرحيل واضحاً ، جليّاً ، له وقع شديد على محبيه وأصدقائه وتلاميذه الكثر ، لإحساسهم الذي استطيع تشبيهه باليتم الروحي ، بعد رحيل الأستاذ والمعلم الذي لم يبخل عليهم بالنصح الصادق والإرشاد الواعي والتوجيه السديد ، والاخذ بأيديهم الى أن عبروا طرقات الشعر وقطعوا فيافي الأدب وأوجدوا لنفسهم المكان والمكانة .
انا لم تكن تربطني بسليمان الفليح علاقة ، لكني التقيت به مرتين ، الأولى كانت أثناء تواجدي كصحافي في أحد المسابقات الشعرية في إحدى القنوات،لتغطية المناسبة لصالح ملف مقامات في هذه الجريدة "جريدة الصباح" وكان – يرحمه الله - احد المحكمين في هذا البرنامج ، فلما التقينا بادرني هو بسلام حار وصادق ، كما لو كان يعرفني منذ سنين وهي المرة الأولى التي التقيه فيها ، فتمنيت في حينها لو أني عرفت هذا الرجل من قبل ، فتلك الصدفة كانت كافية لتريني معدنه بعد أن جذبتني له أخلاقه العالية وتواضعه وطيبة قلبه، ذلك القلب الذي إتسع للجميع كاتساعه للحياة.
والمرة الثانية كانت فى مبني الجريدة عندما كان قادماً لزيارة زميلي فهد دوحان ، ولن أنسي ذلك الموقف الذي رسمت فيه إنسانية سليمان الفليح البسمة على شفاة جميع الموجودين وقتها ، فلم يتجاوز مكتباً بالجريدة مروراً بالآخر ، الا وسلم على من فيه قبل وصوله الى مكتب الزميل فهد دوحان .
رحل ذلك العملاق بدون مقدمات تساعد أحبته على تقبل فكرة رحيله بهدوء ، نعم نحن نعرف حقيقة الموت ومؤمنين بانه الحق وكلنا يسير على نفس هذا الطريق ، ولكن رحيل ابا سامي لم يكن سهلاً ولا عادياً لا علي محبيه واصدقائه وكل من عرفه ولا اظن ان بامكان اي شخص اياً كان أن يحل محل أحدٍ آخر بعد أن يأخذ مكانه في القلوب ، فلن يكون هناك "بديلاً " له من غيره مهما كان هذا الغير جدير وقدير ، والراحل سليمان الفليح مكانه القلب والروح عند كل من عرفوه .
فالفقد بسبب الموت يكون أكثر وجعاً اذ لا رجعة فيه ، أما ما سواه من الأسباب وظروف الحياة فتكون اقل وطأة ويفتح ابواب الإحتمالات.
رحل صديقنا ، صديق الشعراء وحبيبهم "أبو سامي" ولكن ولا يزال حياً في القلوب والذاكرة ، رحم الله ابا سامي رحمة واسعة
بعض المقاطع من نصوص الراحل الكبير :
الراحلون
« الى آخرهم الثبيتي محمد »
الذين مضوا أجمل الأصدقاء،
عميقاً ، عميقاً، إلى باطن الأرض راحوا وما ودعوني
وما قرعوا ردهة القلب يوماً وقالوا: وداعاً، وداعاً
تركوني وحيداً .. أعاني الشقاء
لماذا مضوا في الحياة سراعاً
كما يمضي السهم
كما يعبر الغيم، رهواً شفيقاً
كما يسقط النجم
وما قال لي واحدٌ منهم إننا راحلون
وفيك البقاء !
لماذا مضوا دون أن (يوعدوني) ثانية
في اللقاء
لماذا مضوا يحملون أكفانهم البيض
والصدق والحق والنبل والطهر، كل النقاء
لقد رحلوا واحداً واحداً
يا لهذا الشقاء
يا لهذا الشقاء
ايه مضى
عبدالله السلوم
وغابت بعيني كل النجوم
مضى حوران
فرحان
سلطان
حامد
مضى من حياتي فرج
غاب عبداللطيف العرج
مضى (أبا محرز) الشهم
فاختلطت في حياتي الأمور
مضى .. عبدالله نور
عيسى ابن عصفور
و(عدنان) الذي صاح بأعلى الدرج
سلامٌ عليك بلادي
إذا كان (هذا هو البرلمان) عليك الفرج
أخيراً يموت الثبيتي
لكي يلحق القافلة
لم يقل لي وداعاً
وقد كانت الشمس في أوجّها آفلة
ف(صليت) وحدي عليه صلاة الغياب
والحقت تلك الصلاة من بعدها..
نافلة
وقلت سلاماً على آخر الشعراء
على أروع الأصدقاء
سلاماً على روحك الحافلة
بكل الجمالات
كل البهاءات، كل النقاء الشديد
سلاماً إليك
سلاماً عليك
سلاماً إلى عتمة القبر إذ تحتويك
سلاماً على أحرفك الجافلة
من الظلمات الرهيبة والموت
سلاماً
سلاماً
سنلحقك الآن، أو هو غداً
أو ربما بعده.. إننا غافلون
بهذي الحياة
بل هي أيا أجمل الراحلين .. بنا غافلة !