ان اكتب عن واحد من شعراء جيلي ، من زاوية نقدية ، يعني هذا انني اكتب عن زمني ، بشكل او بآخر ، او على وجه الدقة : اكتب عن الشعر في زمني ، وجيلي .
عرفت عبدالله الحارثي ، شاعراً ، من صفحات الجرائد ، وتحديداً ، جريدة عكاظ ، عام ١٤١٥ تقريباً ، وتغريباً .
وهذا الزمن الذي قرأت فيه عبدالله ، ونشر فيه عبدالله ، كان زمناً لايشغل بال الشاعر فيه شيء غير كتابة الشعر ، ثم نشره في اي صفحة متخصصة ، واعني : ليس زمناً كهذا الذي لايفكر الشاعر فيه ، في مسألة الشعر للشعر ، وانما هناك مايشغله ، من فضائيات ، واذاعات ، وانترنت ، ودواوين صوتية ، وصور شخصية منمقة بالفوتوشوب ، بينما يأت الشعر أخيراً واخراً ، في بال شعراء هذا الجيل .
عبدالله ككل شعراء جيله ، كان يحرق نفسه من اجل كتابة فكرة بيت شعر ، وبعد ان يكتبه يتأمله ، وبعد ان يتأمله يُصادقه ، ويحبه.
لغة عبدالله الشعرية ، تخرج من بين الكلاسيكية والحديثة ، ولهذا فتراكيبه الشعرية وصوره الشعرية ، تأت في قالب لغوي شفاف ، مابين الغموض الفني الحديث ، وبين السلاسة والمباشرة في صور النمط الشعري الكلاسيكي ، لذا قصيدة عبدالله كما أراها ، كرسياً بين مدرستين . عبدالله شاعر وجداني وتأملي ، ولهذا فمعظم نصوصه ، تبرز فيها الذات المتكلمة بشكل واضح ، وكأنما أراد عبدالله ان يغلق دفتره الشعري على ذاته ، ويجلس في قصيدته ، هامساً بصوت خفيض عن عذاباته ، وغرامياته ، كشاعر كتب اغلب ماكتب ، في الشق العاطفي والغزلي من الشعر ، ومن القلب .
اللّي مقابل للحديقة
عندما كتب رائعته التي أرهقته وارهقت قرائه ، طوال سنوات طويلة ، واعني قصيدة ( شباك ريم ) ، فتح شباكاً لايمكن اغلاقه ، في تاريخ عبدالله الشعري ، وأدخل محبوبته ريم الى فهرس اسماء المحبوبات الخالدات في الشعر العامي تحديداً ، فأصبح لها مكاناً محترماً ، بجانب ( نوت ) العواجي ، و ( منيرة ) بندر بن سرور ، و ( مريم ) فهد عافت ، و ( بندري ) نايف صقر ، و( عنود ) مساعد الرشيدي ، ولكن بمواصفاتها الخاصة ، التي تميزها في دفتر العشيقات .
اخرج عبدالله الحارثي ، فتاته ، من شباك عمارة في شارع جداوي ، ولكنه لم يكن جسدياً في وصفه لها ، بل كان حسياً ، وهو الامر الذي لم يكن شائعاً في الشعر الغزلي العامي ، الذي امتلأ باوصاف الشعر والشفتين والعينين والخصر ، والارداف التي ارهقها الشعراء كتابة وتكراراً ، فلم نعرف عن ريم ، سوى انها فتاة ذات حس وجداني عالي ، وذات عاطفة لاتهدأ جمرتها ، ولا خمرتها ، الا وزادها الشباك والحديقة ، ناراً حسية ، لاجسدية ، فكأنما ريم كانت ، محض روح تطل من نافذة منزل .
في نص شباك ريم ، كان عبدالله الحارثي شاعراً ، لكنه كان كذلك ، ممارساً للمهن التالية:
- مصور فوتوغرافي .
يلتقط ماامام العدسة :
اه ياشباكها
وماخلف العدسة :
الغرقان في العين الغريقة .
كان عبدالله ، في دقة الوصف ، لما قال ( اللي مقابل للحديقة ، يمارس مهنتين في وقت واحد :
- عامل بناء
- عامل غناء
وكان بمروره المتكرر امام شباك ريم ، يمارس مهنتين في وقت واحد :
- مراقب بلدية
- مراقب شبكيّة
اكثر واعمق واصدق من يصف شاعرية عبدالله ، واحساسه ، وعينه الفوتوغرافية الشعرية ، في الالتقاط والدقة والتصوير ، هو نص ريم نفسه .
نص ريم ، هو الناقد الوحيد ، القادر على قول مالايقوله كل النقاد عن شعر عبدالله .
اهـ يـا شبـاك ريـم اللـي مقابـل للحديقـه
كل مانامت عيـون النـاس صحينـاك معنـا
تستلـذ بهمسنـا المجنـون ويبللـك ريـقـه
تحتمل نار العتاب وتوجعـك دمعـة وجعنـا
كم غسلنا وجهك النعسـان بالدمـع وحريقـه
كم على عيونك تقاسمنا الوصال ومـا شبعنـا
وكم رسمت احلامنا في قلوبنا صدق وحقيقـه
كم صدقنا في مواعيد الغـرام وكـم رجعنـا
اه يا شباكها الغرقـان فـي العيـن الغريقـه
كيف مرت خطوة العمر الجميل ومـا سمعنـا
وكيف طاح الليل في كاس الوصل واخفا بريقه
وكيف نفس الموعد اللي قد جمعنا ما جمعنـا
منهو اللي خان من غير عن احبابـه طريقـه
أنـت ياشباكـهـا ولا بــداوة مجتمعـنـا !
او انا او هو زمن( مهدي )حبس وجه الطليقه
ليـن كفّنـا بقايـا أحلامنـا فيـنـا وطعـنـا
اه ياشباكهـا فرقـى الحبايـب مـن يطيقـه
ومن يطيق الحب لاضاعت مواعيده وضعنـا
واه ياشباك ريم اللي شـرب وجـه الحديقـه
ذبلت زهور الغرام وضاعت الاحـلام معنـا
تُركت هذه الفقرة ، فارغة عمداً ، لأن اي كلام يقال بعد قصيدة شباك ريم ، ليس كلاماً يحترم نفسه ، وليس كلاماً يحترم قائله ، وليس كلاماً يحترم قارئه .
عبدالمجيد الزهراني