لي جاد بي للحرف شفت الرمي حذف
واعلنت في الميدان حالة طواري
ودّي اعسف الحرف مع ذايق الحرف
وانا على صيد الجزيل انتحاري
وخذت القلم يوم الكرا حارب الطرف
والليل ساري والشوارد سواري
تلعب ابراسي كنّها الكفّ والدفّ
متعاليه عن كل بايع وشاري
أنحر بها صمّ الصخر وابلغ الشفّ
وآخذ يمين الدرب واترك يساري
شوبكت لسْمان الخزايز شبك غرف
شرك المعاني غير شرك الجواري
تصعد لمنزل سيدي عالي الشُرف
يصغي لها كاتب وسامع وقاري
هذا علََم لكنّ له قلب ما رفّ
لي رفت الأعلام فوق السواري
وهذا محمد شامخ الراس والأنف
لله درك يا سفر ليل داري
دار الفخر يا زين ملبوسها الترف
واعناقها بين المدن والبراري
ولو ما محمد ما تشنّع وهدّف
ما لاح براقٍ ولا صحّ زاري
نعقد عليك آمال يا مَفرد الكتفّ
روّح وجندك تتبعك بالأثاري
لي في حضورك للالسن أتْجم واتجفّ
لكنّ كفّك نهر عبّاب جاري
واديك سيله يجرف المَلس والصلف
ملّا السدود وصبّ ذيك المِياري
(ولا نختلف انّك ابن نادر الوصف
لَكنّ له طاري ولك انت طاري)
منّك صناديد العتايا تَراجف
وابوك تكمش له كبود الضواري
وانته حسامٍ ما يخلّا على رفّ
حديدك أقطع من حديد الشباري
مرهف من الحدّين ما هو مُعكّف
سيف العرب به طيّبات المواري
أمَرّ من العلقم واحلا من النفّ
في ايدينه الثنتين بس اختياري
(ولا لصعايب يوم تكبر وتلتفّ
إلا انهيّاني بفعله انماري)
اتميل الأرض وتعتدل... يوم يوقفّ
قولو لمن نفسه توزّه حذاري
حطّ الشجاعه بكفّ والمجد في كفّ
جبّار له جسمن من الهُون عاري
مبعد منازل عن خطا شابح الخُفّ
ما يلحقنه ذاريات الذواري
(رجلٍ يجمّل موقعه وين ما صفّ
يصعد إذا صار الهبوط اضطراري)
كلّه عفو واحسان مـ السّاس لصّقف
غيضه مع الحكمه وعقله يباري
التوطئة
حينما يخطر في البال اسم الشاعر الإماراتي جمعة بن مانع الغويص يخطر معه الوطن , وهذا الجانب في شعره واضح ومكشوف, ولا يحتاج إلى تمحيص أو تدقيق في نصوصه الشعرية, وهذا النوع وهو المكشوف والواضح لا يثير بي رغبة الكتابة, لأن التغلغل في النصوص الشعرية من أجل كشف أسرارها أجمل من ملامسة المسطحات الظاهرية للقصيدة , وهذا ما عملت عليه في هذا النص , حيث حرصت على كشف المخبوء في هذه القصيدة ومحاولة الغوص فيها من أجل إظهار ما بها من جمال شعري دفين
يقول قدامة بن جعفر بأن الشعر كلام موزون مقفى , دال على معنى. وهذا التعريف للشعر يعتبر الأشهر عند العرب منذ أقدم العصور, والمتأمل في هذا التعريف يجد أنه يتشكل من مثلث متساوي الأضلاع, وهذه الأضلاع هي الوزن والقافية والمعنى , وهو مؤشر على أن نسبة الصوت الإيقاعي في القصيدة العربية مرتفعة وفق هذا التعريف , وهذا ما لمسته في قصيدة الشاعر جمعه بن مانع الغويص, التي نظمها في مدح الشيخ محمد بن زايد آل نهيّان, حيث كان الصخب يرتفع في هذا النص , وهو ارتفاع متعدد الأطراف , كما سيمر معنا , وسوف نبدأ بتناول هذه الجوانب بشكل تدريجي من أجل الوصول إلى الغرض الذي قيلت من أجله القصيدة
القافية
قبل الحديث عن القافية وأثؤها في تبيان هذا الضجيج المتسارع في هذا النص يجدر بنا معرفة الفرق بين الجهر والهمس في الحروف . حروف الهمس تنشأ بسبب جريان النفس عند النطق بالحرف الضعيف, وذلك بسبب ضعف الاعتماد على المخرج , وتجمع هذه الحروف الضعيفة في هذه الكلمات « فجثّه شخصٌ سكت « أي : 0 ف – ح – ث - هـ - ش – خ – ص – س – كـ - ت ) , بينما حروف الجهر تنتج عن انحباس جريان النفس عن المخرج بسبب قوة الحرف وقوة الاعتماد عليه في المخرج , وحروف الجهر هي ما تبقى من الأحرف العشرة الموجودة في الهمس
من خلال هذا العرض البسيط سنقف عند الكلمات التي تحتوي على حروف مجهورة في قافية الشطر الثاني من البيت , وسندع الكلمات التي تم التداخل فيما بينها أي ما بين الهمس والجهر , وهذه الكلمات هي « طواري – الجواري – قاري – داري – البراري – زاري – جاري – المياري – طاري – الضواري – المواري – نماري – عاري – الذواري – اضطراري – يباري « , فهذه الكلمات المختومة فيها الأشطر الثانية في هذه القصيدة خالية من الحروف المهموسة الدالة على الضعف , إذ أن هذه الكلمات كلها تحتوي على حروف مجهورة وهي التي تشير إلى ارتفاع صوت الجَلَبَة والضجيج في النص الشعري لاسيما وأن قافية البيت في كل قصيدة تترك أثرًا نفسيًّا في نفس السامع وفي أذنه كذلك , وذلك لأنها تعتبر النغمة الأخيرة أو الضربة الأخيرة في سلّم البيت الإيقاعي , وهذا ما حدث في هذا النص , فما بالنا لو توقفنا عند الكلمات الأخريات اللاتي تداخلت فيها أحرف الجهر والهمس
الوزن المتسارع
من يعيد النظر إلى قصيدة الشاعر الغويص مرة أخرى يجد أنها كُتِبت على بحر المسحوب , وهو بحر نبطي قديم , وهناك نصوص كثيرة في الشعر النبطي من ضمن هذا البحر تداخلت مع البحر الهلالي التقليدي المعروف , وهذا ما يؤكد قِدم هذا البحر , ومسألة التداخل بين البحرين مسألة شائكة وطويلة وليس هذا مجالها للحديث عن هذا الجانب
هذا البحر وهو بحر المسحوب شبيه بالهلالي , أي أن إيقاعه في الغالب إيقاع هادئ , خاصة وأن سبب اقترانه بهذه التسمية مأخوذ من سحب العارف لقوس الربابة أثناء الغناء , وهذه الحركة فيها بطء تتوافق مع إيقاع هذا البحر , غير أن من يقرأ هذه الأبيات يجد أن إيقاعها الموسيقي إيقاع متسارع صاخب , حيث يقول الشاعر
لي جاد بي للحرف شفت الرمي حذف
واعلنت في الميدان حالة طواري
ودّي اعسف الحرف مع ذايق الحرف
وانا على صيد الجزيل انتحاري
وخذت القلم يوم الكرا حارب الطرف
والليل ساري والشوارد سواري
تلعب ابراسي كنّها الكفّ والدفّ
متعاليه عن كل بايع وشاري
أنحر بها صمّ الصخر وابلغ الشفّ
وآخذ يمين الدرب واترك يساري
شوبكت لسْمان الخزايز شبك غرف
شرك المعاني غير شرك الجواري
فهذه الأبيات ما هي إلا معزوفة احتفالية يقدمها الشاعر لنفسه وشعره , يقدمها لنفسه كونه جديرًا بمدح الشيخ محمد حيث قال عنه ما قال كما سنلاحظ في هذه القراءة , ويقدمها لشعره باعتبار أنه شاعر متمكن من الشعر , وقادر على « عسف « المعاني كما أوضح هذه النقطة في البيت الثاني , وأنه « على صيد الجزيل انتحاري « كما يقول عن نفسه , وهذا ما دفعه على الميل إلى القوة في التقاط المعاني الشعرية , والحرص على إحداث الصوت المرتفع في هذا النص
صياغة الجمل الشعرية
تظهر اللغة الشعرية بنبرة صاخبة فيها الضجيج والجَلَبة , وهذا الحال تتوافق مع ما بالنص من صخب وعلوّ في صوت النبر المرتفع , وهذا مرده إلى أن الشاعر امتدح المدوح من خلال الأمور الحربية التي لا يكون لها أي قيمة إذا تخلت من عنصر القوة والصلابة , وهذا الوضع سايره الشاعر جمعه الغويص , حيث يقول في جمله الشعرية قبل أن يتطرق للحديث عن شخصية الممدوح وهو الشيخ محمد بن زايد « شفت الرمي حذف - واعلنت في الميدان حالة طواري - ودّي اعسف الحرف - وانا على صيد الجزيل انتحاري - والليل ساري والشوارد سواري - تلعب ابراسي كنّها الكفّ والدفّ - أنحر بها صمّ الصخر وابلغ الشفّ - شرك المعاني غير شرك الجواري « , إذ أن هذه الكلمات والجمل الشعرية هي التي دفعت الشاعر لأن يقول عن نفسه « وانا على صيد الجزيل انتحاري» وذلك أنه في حضرة ممدوح يتحلى بصفات معينة فرضت على الشاعر الانسياق لهذا الجو المشبع بالقوة والحركة المتصاعدة
إن هذا الجو الصاخب المرتفع صرنا نراه في ذات الشاعر , وكأنه يريد أن يتقمص بعض صفات الممدوح من أجل أن يتحدث عنه وفق ما يريد هو , ووفق ما يشتهي منه الممدوح ذلك
وصف الممدوح بما يتوافق مع هذه الأجواء
نصل بعد كل هذا الكلام إلى الغرض الذي قيلت من أجله هذه القصيدة , وكأن هذه المقدمة التي ابتدأها الشاعر منذ البيت الأول إلى أن وصل البيت السادس درجات سلّم متجهة إلى الأعلى , وهذا واضح من خلال قوله « تصعد لمنزل سيدي عالي الشُرف « وهذا الصعود الذي أشار إليه الشاعر جاء لكي يواكب صعود الممدوح في سماء المجد والسؤدد , حيث وصف الشاعر ممدوحه بصفات تدلّ على الرفعة المكانية علاوة على ما يتحلى به الممدوح من رفعة اجتماعية والتي تكلم عنها الشاعر وأفاض الحديث عنها , حيث وصفه بعدة صفات تدل على رفعته المكانية المتوافقة مع مبدأ الصعود الذي أشار إليه الشاعر في فاتحة البيت السابع « هذا علم – هذا محمد شامخ الراس والأنف - يصعد إذا صار الهبوط اضطراري « وعلى هذا الأساس جاءت المعاني الأخريات في القصيدة تصب في خانة القوة والصلابة التي بنى الشاعر عليها قصيدته الشعرية « هذا علََم لكنّ له قلب ما رفّ - لي رفت الأعلام فوق السواري- وهذا محمد شامخ الراس والأنف - نعقد عليك آمال يا مَفرد الكتفّ - روّح وجندك تتبعك بالأثاري - منّك صناديد العتايا تَراجف - وانته حسامٍ ما يخلّا على رفّ - حديدك أقطع من حديد الشباري - أمَرّ من العلقم واحلا من النفّ - ولا لصعايب يوم تكبر وتلتفّ - إلا انهيّاني بفعله انماري - حطّ الشجاعه بكفّ والمجد في كفّ - جبّار له جسمن من الهُون عاري - رجلٍ يجمّل موقعه وين ما صفّ - يصعد إذا صار الهبوط اضطراري « فهذه العبارات الشعرية صيغت وفق معيار القوة الذي توافق مع النص , وكأن حالة الممدوح هي التي جبرت الشاعر على الانسياق وراء هذه الأشياء من غير حول له ولا قوة , وعلى ضوء هذا الوضع يتضح لنا مدى سيطرة القوة والصلابة على النص الأمر الذي انعكس على حال الشاعر وعلى طريقته في التعامل مع الوزن والقافية
الخاتمة
لم تكن هذه القصيدة في معزل عما كان يكتبه جمعة الغويص من شعر , ففي غمرة هذه الاحتفالية الصاخبة بما يقدمه كشاعر , وما عليه الممدوح من كونه رجل الجيش والعسكرية , لم ينسَ الشاعر خطه الشعري المعتاد , وهو الحضور الوطني , حيث يقول
دار الفخر يا زين ملبوسها الترف
واعناقها بين المدن والبراري
الذي حضر كومضة خاطفة أضاءت سماء هذه القصيدة , وقد حضر هذا البيت كواسطة العقد فيما يتعلق بمدح الشيخ محمد , لتبيان علاقة الوطن به وعلاقته بالوطن باعتبار أنه الغرض الرئيس الذي قيلت من أجله هذه القصيدة . أما فيما يختص بالنص الشعري فقد كانت القصيدة تتحرك في مسارين عامين , هما المسار الداخلي والمسار الداخلي , وكان كلا المسارين يندرجان في عالم الصخب والقوة , حيث ظهر الصخب الخارجي على الإيقاع والذي تمثل في الوزن والقافية بينما انعكست الحالة الداخلية على نفسية الشاعر التي وافقت خصال الممدوح , إذ كان الشاعر منتشيًا بهذا الجو وهو يمارس دور فارس الشعر في حضرة فارس الجُند والجيش والعسكرية