لم يكن رحيل الداعية الإسلامي الكبير الدكتور عبد الرحمن السميط خسارة للكويت وحدها ، وإنما خسارة للأمة الإسلامية كلها ، بل لسنا نبالغ حين نقول : للبشرية جمعاء ، فقد كان - رحمه الله - نموذجا للداعية المسلم ، تماما كما كان أسوة حسنة في عمل الخير وتقديم العون لكل بني الإنسان ، خصوصا في القارة السوداء التي ستفتقده كثيرا ، وسيفتقده أيتامها وأراملها وفقراؤها الذين بنى لهم المدارس والمستشفيات والمساجد ، وعالج الملايين ، واهتدى على يديه إلى الإسلام ملايين أيضا ، دخلوا في دين الله أفواجا ، ببركة هذا الرجل الطيب ، وسيرته العطرة ، ويده البيضاء الممدودة بالخير دائما .
آمن السميط بأن الإسلام سبق جميع النظريات والحضارات والمدنيات في العمل التطوعي الاجتماعي والإنساني ، وشاءت إرادة الله أن يسافر إلى أفريقيا لبناء مسجد لإحدى المحسنات الكويتيات في مالاوي، فرأى هناك ملايين البشر يقتلهم الجوع والفقر والجهل والتخلف والمرض ، وشاهد وقوع المسلمين تحت وطأة المنصرين الذين يقدمون إليهم الفتات والتعليم لأبنائهم في مدارسهم التنصيرية، ومن ثم فقد وقع حب هذه البقعة في قلبه ووجدانه.
كان رحمه الله يبكي بكاء مريرا حينما يذهب إلى منطقة ويدخل بعض أبنائها في الإسلام ثم يصرخون ويبكون على آبائهم وأمهاتهم الذين ماتوا على غير الإسلام، وهم يسألون: أين أنتم يا مسلمون؟ ولماذا تأخرتم عنا كل هذه السنين؟ ومن ثم قرر أن يقضي حياته في ربوع ومجاهل أفريقيا ، وأن يعود إلى الكويت فقط للزيارة وليصل رحمه ويبر أهله وأصدقاءه وبني وطنه، ثم يعود إلى الرحم الأكبر، رحم الإسلام، ورحم الإنسانية التي اعتبر نفسه واحدا من خدامها، وقد جاء تكريم الأمم المتحدة له، اعترافا بمكانته ودوره، تماما كما أنه واحد من جنود الإسلام المخلصين .
رحل السميط، لكن سيظل باقيا بذكراه وسيرته التي تعبق بكل ما هو خير، وصدق شوقي حين قال :
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرهـا
فــالذكـــر للإنسان عمــر ثاني.