أضاف الشال في تقرير منشور، مصدره لجنة التنمية الاقتصادية أو لجنة العشرة المشكلة من المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، كلام فيه تحذير شديد من أوضاع المالية، مثل ارتفاع سعر التعادل للموازنة العامة إلى نحو 102 دولار أمريكي، ومثل ارتفاع تكلفة إنتاج النفط بأكثر من 4 أضعاف في عشر سنوات، ومثل نمو المصروفات الجارية على حساب الرأسمالية في مشروع موازنة 2014/2015. وفي تصريح صدر، أخيراً، عن رئيس لجنة الميزانيات والحساب الختامي في مجلس الأمة يقدر معدل الرواتب لموظف القطاع النفطي بنحو 4 أضعاف معدل مرتب موظف الحكومة في القطاع المدني، أيده، بنشر أرقام قريبة، مجلس الخدمة المدنية، وتزامن معه تهديد بإضراب في قطاع النفط حال المساس بمكتسبات ما يسمى مكافأة المشاركة بالنجاح. قبلهم، وفي أغسطس من عام 2011، وبدعوة من سمو الأمير، شكلت الحكومة اللجنة الاستشارية لبحث التطورات الاقتصادية، العالمية والمحلية، صلبها، من حيث التأثير والعضوية، هو صلب تكوين لجنة التنمية الاقتصادية الحالية المنبثقة عن المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، وفي تقريرها الذي نشر في أوائل عام 2012، نص مشابه لمحتوى تقرير اليوم، مع احتواء التقرير الجديد توصيات جديدة وصحيحة، مثل التوصية بالبحث في دستورية بعض التشريعات المالية لمجلس الأمة، والتوصية بتجنب إنشاء هيئات عامة جديدة تقوم بمهام الوزارات، مع الانتباه إلى أن التوصية بتنويع مصادر الدخل، بعيداً عن النفط، جاءت في الترتيب الأخير، وهو أمر مستغرب كونها تتعلق بأحد أكثر جذور الخلل أهمية في الموازنة العامة، إن لم يكن أكثرها أهمية.
وتابع في الواقع، أن القاسم المشترك بين التقريرين هو فوضى الكوادر، بينما الحكومة التي شكلت اللجنة الاستشارية في أغسطس من عام 2011 وأعضاؤها هم الشريك الأكبر، حالياً، في المجلس الأعلى للتخطيط، هي الحكومة نفسها التي وافقت، بعد 4 أيام من تشكيل اللجنة الاستشارية في عام 2011، على كادر القطاع النفطي الذي قال وزير النفط، يومها، إنه لن يكلف الخزينة العامة فلساً واحداً. وما بين أول دراسة تفصيلية حول تعديل مسار الاقتصاد في النصف الثاني من ثمانينات القرن الفائت والتي تبنى مجلس الوزراء، رسمياً، محتواها في 31 يوليو 1987، وحتى تقرير الشهر الفائت المقدم لمجلس الوزراء من وزير المالية الحالي، ومروراً بتقرير «بلير» وغيره، لم يخرج التحذير، وإن تفاوتت درجاته، عن حتمية اصطدام البلد بحائط بسبب أزمة المالية العامة. ورغم ذلك، وحتى القراءة في مشروع الموازنة العامة للسنة المالية القادمة، استمر الانفصال، تماماً، ما بين النصح ومسار الواقع، ومسار الواقع سادراً في تعميق أزمة المالية العامة.
وأوضح الغريب أن الكل، تقريباً، بات مقتنعاً بأن الأزمة لا تكمن في تشخيص وضع المالية العامة، ولا في وفرة رؤى المخارج من تلك الأزمة، ولا حتى في وفرة أعضاء واعين ومخلصين في اللجان التي تشكلها الحكومة، أو حتى أعضاء في الحكومات المتعاقبة، شاملاً الحالية، ولكن الأزمة كامنة في وعي وقدرة مجلس الوزراء، كمؤسسة، على إنقاذ البلد، ناهيك عن تحديات بنائه. شراء الوقت بالمزيد من استنساخ الورق، شاملاً تقرير الشال، لن يحل أزمـة الماليـة العامـة، والإدارة العامـة على أعلى مستوى -مجلس الوزراء- الذي يتم اختياره بالجينات والمحاصصة غير قادر على الوعي وتحمل مسؤولية قرارات الإنقاذ، فمناصب المكافآت تستمر بالرشوة بالمكافآت. ذلك ليس من جانبنا موقفاً سياسياً على الإطلاق، وإن كان الموقف السياسي حق، إنما هو موقف مهني، استغرق الكثيرون وقتاً طويلاً وعالي التكلفة حتى أصبح إثباته والتوافق عليه ممكناً، ولا أمل في إنقاذ البلد من الاصطدام بحائط، سوى بتغيير الإدارة العامة، منهجاً واستقامة.