قدم النائب يعقوب الصانع اقتراحا بإحالة طلب تفسير المادة «71» من الدستور
إلى المحكمة الدستورية ووفقاً لنص المادة 118 من قانون لائحة المجلس
وجاء في طلبه الأتي:
انطلاقاً مما قررته المحكمة الدستورية في حكمها المؤرخ 16/6/2013 في الطعن رقم 15 لسنة 2012 طعون خاصة بانتخابات مجلس الأمة «» ديسمبر 2012 «» حال تَعَرُضِها لنص المادة «71» من الدستور وبعد استعراضها لشروط المراسيم التي تصدر وفقاً لهذا النص انتهت إلى القول «صفحة 17» من مدونات حكمها إلى ما نصه:
«أنه من حق السلطة التنفيذية أن تصدر مراسيم لها قوة القانون شريطة أن تكون في الحدود المبينة بهذه المادة».
هذا وقد تَجَنَّبَ الحكم التَعَرُض لمفهوم «الضرورة» بشكلٍ صريح، وذلك حسبما أورده بمدوناته «صفحة 16» حيث جاء بها نصاً : «والبين من هذه المادة أنه قد استهل نصها بعبارة «إذا حدث ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحمل التأخير»، ولم يستخدم عبارة «في أحوال الضرورة» على نحو ما نص عليه الدستور في المادة «69» منه في حالة إعلان الحكم العرفي، وإنما استعملت العبارة الواردة بنص المادة «71» بما ينصرف معناها إلى شمول الأحداث والظروف العارضة وما تقتضيه المصالح الملحة والإخطار المهددة بما فيها الأحداث المتفاقمة والمستمرة التي تأخذ حكمها».
ومفاد ذلك الذي أورده الحكم أن الحالات التي تستدعي إصدار السلطة التنفيذية للمراسيم بقوانين وفقاً لنص المادة «71» ليست حصرية أو محددة، وإنما لا بد من وجود معايير وضوابط لها بحيث يُمكِن معه القول أنه «إذا حدث كذا» هنا يكون للسلطة التنفيذية إصدار مثل هذه المراسيم.
لا سيما وأن الحكم قد جاء بمدوناته عبارة «» وما تقتضيه المصالح الملحة والإخطار المهددة بما فيها الأحداث المتفاقمة والمستمرة التي تأخذ حكمها «»
وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل إلى أن هناك من الإخطار والمصالح المُلِحَة ما لا يُمكِن الكشف عنه أو التصريح به لما قد يتعلق به من تهديد للأمن القومي للبلاد أو أمنها الاقتصادي أو السياسي، وقد يكون ذلك في إطار عملٍ مؤسسي بين جهات الدولة المختلفة.
وبالطبع لا بد من تحديد المنظور والإطار الذي يتم من خلاله تقدير هذه المصالح والأخطار، هل هي من منظور رئيس الدولة أم أنها من منظور القضاء الدستوري.
فمثلاً إذا أصدرت السلطة التنفيذية مرسوماً بقانون في هذا الخصوص وفي مثل هذه الحالات، مع تَعَلُق الأمر بالمصالح العليا للبلاد، خاصةً إذا كانت مبررات إصدار مثل هذا المرسوم قائمة على اعتبارات أمنية أو عسكرية أو متعلقة بالسياسة الخارجية للبلاد، ووردت بشأنها تقارير من جهات رقابية أو أمنية أو معلوماتية. فكيف يتم التعامل مع هذه الحالة.
وإذ أن القاعدة أن الضرورة تُقَدَّر بقَدَرِها، وإذ أن الدستور في نص المادة «71» قد استوجب عرض هذه المراسيم بقوانين على البرلمان لإقرارها أو عدم إقرارها خلال مدى زمني محدد، فإذا ما أقر البرلمان هذا المرسوم أصبح قانوناً نافذاً وتَطَّهَرَ من العوار الدستوري الذي شابه – إن كان به عوار – لأن القول بغير ذلك قد يجعل من المحكمة الدستورية سلطة أعلى من سلطات الدولة جميعاً إذا كان لديها القدرة أن تعدِم قانوناً أو مرسوماً بقانون أقره مجلس الأمة بذريعة رقابتها الدستورية على النصوص ؛ لا شك أن هذه الرقابة الدستورية ضرورة مُلِحَة وواجبة، ولكن لا يُقبَل أن تكون هذه الرقابة حجرَ عثرةٍ أمام أعمال البرلمان والسلطة التنفيذية.
فهناك الكثير من المراسيم بقوانين قد صدرت وفقاً لنص المادة «71» وهي وفقاً لهذا المنطق أصبحت مُهَدَّدَة بعدم الدستورية حال الطعن عليها.
ومن ثم فإن هذه الرقابة القضائية لابد وأن تستحدث حداً أدني من الضوابط والمعايير لا يجوز تجاوزه للقول بأحقية السلطة التنفيذية في إصدار مراسيم وفقاً لنص المادة 71 من الدستور.
ومن ثم يلتزم مجلس الأمة بهذه المعايير والضوابط حال عرض هذه المراسيم عليه بحيث إذا وجدها مُتَفِقَة مع المعايير القضائية والضوابط التي تقرها المحكمة الدستورية أقر هذه المراسيم وصادق عليها، حتى لا تتعرض أعمال البرلمان التشريعية فيما يتعلق بالمراسيم بقوانين للبطلان.
واضاف الصانع كان القضاء الدستوري فى فرنسا مُمَثَلاً فى مجلس الدولة الفرنسي يرجع إليه الفضل فى تقرير نظرية الضرورة فى العديد من أحكامه، ولذلك فإن المشروعية الاستثنائية التي يؤخذ بها فى ظل الظروف غير العادية هي فى الحقيقة من صُنع القضاء فهو يُكَمِل النقص فى النصوص الدستورية والقانونية حين لا تكون كافية لمعالجة الظروف الاستثنائية فهو يعمل على تقرير السلطات الاستثنائية فى حالة الضرورة عند غياب النصوص القانونية والدستورية المنظمة لها، أو إذا كشف التطبيق العملي لها عن بعض القصور والنقص وعدم كفايتها لمواجهة هذه الأخطار ودفعها ؛ ففي هذه الحالة يتدخل القضاء لمعالجة هذا النقص وذلك القصور وتُكَمِلُه وتَجبُره.
بَيِّدَ أن القضاء لا يكتفي فقط بالعمل على تكملة ما قد يعتري النصوص الدستورية والقانونية من قصور، وإنما يعمل أيضاً على تفسيرها تفسيراً دقيقاً وتحديد مدلولها، بل وتطوير مفهومها ، و هو ما أكَدَ فى النهاية على أن المصدر الحقيقي لنظرية الضرورة هو القضاء.
وإزاء ما تَقَدَّم : وحيث أن نص المادة الاولى من قانون إنشاء المحكمة الدستورية رقم 14 لسنة 1973 تنص على أن : تنشأ محكمة دستورية تختص دون غيرها بتفسير النصوص الدستورية والفصل فى المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح، وفى الطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم، ويكون حكم المحكمة الدستورية ملزماً للكافة ولسائر المحاكم.
وحيث قررت المذكرة التفسيرية للدستور أن رجال القضاء هم الأصل فى القيام على وضع التفسير القضائي الصحيح لأحكام القوانين وفى مقدمتها الدستور قانون القوانين.
ومن هذا الأساس الدستوري كان الاقتراح الماثل بطلب إحالة المادة 71 من الدستور إلى المحكمة الدستورية لتفسير ما هو المقصود بحالة الضرورة وتحديد أُطرِها، ووضع مفهومٍ مُحَدَّد لها وتعريفٍ أقرب إلى الدقة بشأنها، خاصةً وأن نص المادة 71 المشار إليه لم يتضمن مثل هذا التعريف الدقيق وإنما اكتفى بوضع تَصَوُرٍ عام يحتمل التأويل والتفسير واختلاف الرؤى ووجهات النظر حوله، بما يحول دون وضع تَصَوُرٍ صحيح لهذه الحالة ومقومات وجودها، لا سيما وأن النص الدستوري سالف البيان «م71» قد اكتفى بالتَعَرُض للمدى الزمني الذي يُمكِن أن تتوافر فيه حالة الضرورة وهو فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله ؛ ثم استعرض النتيجة باتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، وذلك دون أن يعرِض النص وبشكلٍ صريح ما المُراد بقوله « مما يوجب الإسراع فى إتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير « حيث جاء لفظ «ما» بمعنى الذي «إشارةً إلى حالة الضرورة دون أن يُحَدِد ماهية هذا «الذي» ومفهومه وتعريفه وتوصيفه.
وهو ما جعل من تحديد مفهوم حالة الضرورة مسألةً خِلافية ومحل تَبايُن فى وجهات النظر، وهو ما يستدعي تَدَخُل المحكمة الدستورية لإيضاح هذا الغموض وذلك اللبس ودرءاً للجدال حول هذا المفهوم للوقوف على تحديدٍ دقيقٍ لحالة الضرورة ومداها ونطاقها ومدى توافرها من عدمه، وما هي المُعطيات والاعتبارات والضوابط والمعايير الواجب توافرها للقول بوجود حالة الضرورة التي تُجِيز للسلطة التنفيذية إصدار مثل هذه المراسيم حال تَحَقُقِها وصولاً إلى حدٍ أدنى من هذه المعايير والضوابط بما يكفُل كف الجدل حول هذا الموضوع، وبما يُحَقِق لمؤسسات الدولة، لا سيما المنتخبة منها قدراً من الاستقرار يُمَكِنَها من العمل بصورةٍ أكثر فاعلية وإنتاجاً وتركيزاً فى أداء دورها المنوط بها.
وحتى لا تكون إرادة السلطة التنفيذية حال استخدامها لهذه الأداة الدستورية عند إصدارها لمراسيم الضرورة مُرتَعِشَة أو مُتَرَدِدَة بما يجعلها تُحجِم عن ذلك تَخَوُفاً من القضاء بعدم دستورية مراسيمها، وهو ما ينعكس سلباً أولاً وأخيراً على المصلحة العامة للبلاد، بناء عليه، فإنني أتَقَدَّم لمجلس الأمة الموقر بهذا الاقتراح وتلك الأطروحة لإحالة طلب تفسير المادة «71» من الدستور إلى المحكمة الدستورية، وفقاً لما جاء بمتن الطلب الماثل، وذلك درءاً للجدل الدائر حول هذه المادة وإزالة الخلاف الشاجِر بشأنِها.