أخطر آفة للعمل البرلماني لدينا في تقديرنا هو «الفردية» ، خصوصا مع غياب الكتل النيابية في المجلس الحالي ، والتي كانت تميز مجالس سابقة عديدة ، حيث يتيح وجودها توافق عدد غير قليل من النواب على توجهات معينة ، ويمنع التشتت الذي يكاد يطبع الكثير من أعمال المجلس الآن .
على سبيل المثال ، فقد كنا نرى من قبل تعاملا أكثر جدية مع الاقتراحات بقوانين التي تقدم إلى المجلس ، حيث يشترك في تقديمها عدد من النواب ، ربما يصلون إلى الخمسة ، ولذلك تأتي هذه الاقتراحات رصينة الصياغة ، قوية السبك ، والأهم هو أن مقدميها يراعون ألا تتصادم هذه التشريعات المقترحة مع الدستور الذي هو «أبو القوانين» ، كما يقال .
هذا الحرص الواعي يبدو مفتقدا في حالات كثيرة الآن ، حيث معظم الاقتراحات بقوانين التي شهدتها الفترة الأخيرة ، ينفرد نائب واحد بتقديمها ، وتشعر كأن هذا النائب في سباق مع الزمن لكي يسجل باسمه أكبر عدد ممكن من القوانين المقترحة ، ومن ثم فإنه لا يحفل بما إذا كانت موافقة للدستور أم مصادمة له ، كما في اقتراح أخير قدمه أحد النواب ، ويقضي بسجن من يتجمهر أمام مرفق من مرافق القضاء خمس سنوات .. فمثل هذا القانون يمكن توقع أن يأتي في صيغة مشروع من الحكومة ، وللمجلس بعدها أن يقره أو يرفضه ، أما أن يبادر نائب انتخب انتخابا ديمقراطيا بتقديم اقتراح يصادر الحريات ، ويتوسع في العقاب ، ويضيق الهامش الديمقراطي الذي تتمتع به البلاد ، فهذا هو الغريب حقا ، وهو ما يدعونا مجددا لمطالبة النواب بالتريث والعودة إلى العمل الجماعي ، لاسيما في تقديم التشريعات المهمة والتي يمكن أن يترتب على تمريرها نتائج مستقبلية شديدة الخطورة !