كنتُ قد نظمت قبل أعوام قصيدة عن العيد تم تقديمها بعد ذلك بلون المجس الحجازي وكان مما ورد فيها هذين البيتين الذين أقول فيهما :
يا ليلُ هذا هلالُ العيدِ وافانا
فأوقِدِ السعد قافيةً وألحانا
أطلِق خيول المُنى في كُل ضاحيةٍ
واسكُب شُعورك أزهاراً وريحانا
و المتتبع لموضوع العيد في الأدب العربي يلحظ أن المدائح بمناسبة العيد قد شغلت حيزاً كبيراً من أشعار العيد، وأن بعضها يعتبر من عيون الشعر العربي ومن هذه القصائد رائية البحتري التي يهنئ بها الخليفة العباسي (المتوكل) بصومه وعيده قائلاُ :
بالبر صمت وأنت أفضل صائم
وبسنة الله الرضية تفطر
فانعم بعيد الفطر عيداً إنه
يوم أغر من الزمان مشهر
كذلك قال المتنبي مهنئًا سيف الدولة الحمداني عند انقضاء شهر الصيام
الصَّوْمُ والفِطْرُ والأعيادُ والعُصُر
منيرةٌ بكَ حتى الشمسُ والقمرُ
والمتتبع لعيديات المتنبي الشعرية يجدها وقد غلب عليها طابع المدح لحكام زمانه ماعدا تلك القصيدة الدالية الشهيرة التي هجا فيها كافور الإخشيدي بعدما انتابه اليأس من حظوة التقريب فقد خرج من مصر خالي اليدين حتى من خفيّ حنينوهو هنا لا يهجو فقط بل ينتصر لنفسه ، يرثيها ، يعاتب زمانه -ولطالما عاتبه ، يتلمّس الأعذار ولا يجدها فأنشد يقول :
عيـدٌ بأيّـةِ حـالٍ جِئْـتَ يا عيـد
بمـا مضـى أم بأمْـرٍ فيكَ تجديـدُ
أمّـا الأحِبـة فالبيـداءُ دونَـهــم
فليـت دونــك بيـداً دونهـم بيـدُ
وما شكوى المعتمدُ بن عباد بعد زوال ملكه، وحبسه فيأغمات بخافية على أي متصفح لكتب الأدب العربيحين قال وهو يرى بناته جائعات عاريات حافيات في يوم العيد:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا
وكان عيدك باللّذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدةٌ
فساءك العيد في أغمات مأسورا
وثمة قصيدة رائعة للشاعر العراقي السيد مصطفى جمال الدين بيث فيها همومه وشجونه قائلاُ
هـذا هـو العيـدُ، أيـنَ الأهـلُ والفـرحُ
ضاقـتْ بهِ النَّفْسُ، أم أوْدَتْ به القُرَحُ؟
وأيـنَ أحبابُنـا ضـاعـتْ مـلامحُـهـم
مَـنْ في البلاد بقي منهم، ومن نزحوا؟
ومن القصائد المحزنة في العيد أبيات للشاعر قيصر سليم الخوري عندما وصف حرمان طفله في العيد, وبكاءَ أمه في الوقت الذي كان فيه أطفال الحي فرحين بأثوابهم وألعابهم الجديدة , فكتب يقول :
رأى بُنَيَّ صغارَ الحيّ قـد غنمـوا
فـي ليلة العيد أشياءً وما غنما
وجاءَ يسأل مالًا لسـتُ أمـلكُه
ولو أتـى طالبًا روحي لما حُرما
لما رأت أمُّـه حالـي وحـالتَه
مالت لناحيةٍ تُذري الدموعَ دما
ختاماُ كان لي أنا الأخرى بيت من شعر صورت فيه مرارة الحزن عند أول عيد نشهده بدون أبي يرحمه الله
إذ قلتُ في ذلك :
يا عيدُ عذراً فلا زالت مآقينا
تُقِلُّ دمعاً ونارُ الحُزنِ تكوينا