العدد 1638 Friday 16, August 2013
جريدة كويتية يومية سياسية شاملة مستقلة
« البدون» على طريق الحل في الدور المقبل الكويت تودع السميط .. فارس العطاء والعمل الخيري انطلاق رحلة إحياء ذكرى الغوص الـ 25 برعاية سامية وزير الداخلية: التوسع في مراكز الخدمة لسرعة إنجاز معاملات المواطنين مصر تواجه تهديدات بتدويل قضية العنف ضد المعتصمين «المنبر الديمقراطي»: نرفض استخدام العنف في مواجهة التجمعات بمصر الأمم المتحدة : دمشق وافقت على زيارة فرق التفتيش عن «الكيميائية» خبير أمريكي: إخوان الخليج يهدفون لنقل الفوضى إلى بلدانهم والدعم الأكبر .. من جهات كويتية ! تفجيرات تهز بغداد وتسفر عن مقتل وإصابة العشرات صباح الخالد قدم واجب العزاء في وفاة السفير الإماراتي لدى البلاد الخالد : التوسع في مراكز الخدمة بالمحافظات لتسهيل إنجاز معاملات المواطنين الكويت تنعى فقيدها.. سفير الخير وأبو الفقراء عبدالرحمن السميط انطلاق رحلة إحياء ذكرى الغوص الـ 25 برعاية سامية رئيس مجلس الأمة يطمئن من وزير الخارجية على أحوال المواطنين الكويتيين في مصر المنبر الديمقراطي: قلقون من تطورات الأوضاع على الساحة المصرية البلدية لأصحاب القوارب والسفن: حذار من رمي المخلفات التي تلوث البيئة البحرية فرق الطوارئ ضيقت الخناق على كل من يخالف قوانين ولوائح البلدية «إحياء التراث» دشنت حملة إغاثة عاجلة لضحايا السيول في السودان ظنون وأكثر انتي الحفل ! مدخل إلى التجربة الحداثية - (ج 1) عيد الشعراء بين الهناء والعناء انا مع رأي عواض ! مديح الشاعر لشعره، ثقة أم غرور ؟! قتلـــه الحـــب قــبــل أن يقـتـــلـــوه ! عبدالله بن حمير يدشن أكبر مسابقة نسائية في الوطن العربي البورصة: موجة شراء قوية في نهاية الأسبوع «الدولي»: سوق العقار في الكويت يشهد قفزة جديدة العمر: جهود السميط مثلت لـ «بيتك» حافزاً في دعم العمل الخيري متطوعو البنك الوطني يواصلون حملة تنظيف شواطئ الكويت الفلسطينيون وإسرائيل يختتمون جولة مفاوضات القدس.. والمستوطنون يدنسون قبر النبي يوسف «المحروسة» تبكي دماً .. والجماعة تواصل التصعيد سوريا توافق على دخول المحققين الدوليين .. والمعارك مستمرة العراق: 42 قتيلاً في سلسلة هجمات متفرقة والمالكي يتوعد بملاحقة الإرهابيين مسرب وثائق «ويكيليكس» يعتذر لفضحه أسراراً عسكرية وسياسية البرازيل تسقط بهدف «خاطئ» أمام سويسرا هيغواين يتقمص دور البطل في مواجهة الأرجنتين وإيطاليا الأزرق الأولمبي يواجه الإمارات غداً الجزاف: حلول ناجعة لإزالة معوقات مسيرة الجوالة المصري عبدالرحمن إلى نهائي رمي الرمح نجوم «ليالي العيد» يبوحون بأسرارهم أبطال الدراما الرمضانية.. لم يحققوا نجاحاً يذكر أحلام تعلن عن ديو جديد مع منير .. وتقدم نصيحة علنية لهيفاء وهبي

مقامات

مدخل إلى التجربة الحداثية - (ج 1)

قبل أن يتجاوزنا التاريخ ، وقبل أن تنسى الأجيال الآتية أو يتناسون هذا النوع من الشعر ، ورغبة في إنصاف هذا النمط الجديد الذي طرأ على القصيدة النبطية الذي شع في الخليج العربي مع بدايات الثمانينات الميلادية من القرن الماضي، ومن ثم أخذ بالتراجع والانحسار بعد ذلك فيما بعد ، وقبل أن يتلاشى هذا النوع من الكتابة لصالح ما يعرف بالقصائد المنبرية، فضلت وضع حجر الأساس – كما أعتقد – لرصد هذه التجارب الشعرية رصداً فنياً من الداخل لا من الخارج ، أي الابتعاد عن تتبع مسارات التطوير التاريخية ، مكتفياً بتسليط الضوء على ما حدث في هذه القصائد الحديثة من تناولات شعرية لا عهد للشعر النبطي بها في سالف أيامه السابقة، لهذا حاولت الدخول إلى النصوص الشعرية المختارة من خلال المعاجم اللغوية للشعراء، وعلى هذا الأساس لا يكون من الاستغراب أن تختلف نظرتي التي وضعتها هنا عن أي قراءة أو نظرة لأي شاعر من الشعراء ممن شملهم هذا العمل عن أي قراءة نقدية منعزلة كتبتها عن أحدهم أو سأكتبها عنه في الأيام القادمة ، وذلك أنني في هذا العمل أو في أي عمل أدبي آخر أكون خالي الذهن من أي تأثير مسبق تجاه هذا الشاعر أو ذاك، كما أنني في المقابل لا أكاد أن أنفي عن نفسي تهمة الوقوع تحت طائلة الإسقاطات الثقافية المتصلة بمرجعية كاتب هذه السطور ، ومن ناحية أخرى تصب في ذات الصلة بحالته الذاتية المرتبطة فيه باعتبار أنه كيان ثقافي مستقل عن الشعراء له نظرته الجمالية الذاتية للحياة ككل ، وللنصوص الشعرية كحالة خاصة.
لقد تم التركيز على نصوص التفعيلة دون سواها، وذلك من أجل الابتعاد عن اللغة الخطابية المنبرية التي نجدها في العديد من النصوص العمودية ، وقد وقع عدد لا بأس به من الشعراء الذين شملتهم مباحث هذا الكتاب تحت مظلة هذه الأجواء الانفجارية الخطابية كطلال حمزة وفهد عافت وبدر صفوق والحميدي الثقفي على سبيل المثال، وذلك إما أن الشاعر واقع تحت تأثير الانفعال اللحظوي ، أو راضخ لسلطة المجتمع أو ثقافة الجمهور الذي يريد منه أمثال هذه النصوص ، لذا فضلت الابتعاد عن أي نص عمودي خشية الوقوع تحت تأثير هذا الوضع ، علاوة على أن هذا العمل يهتم برصد التحولات الفنية داخل القصيدة الشعبية الحديثة ، وأول ملامح التحديث أو الحداثة هو الكتابة الشعرية بطريقة تخالف ما كان عليه الأسلاف في تعاملهم مع القصيدة ، لهذا كان التركيز على هذا النوع من الشعر لأنه يمثل الوجه الحداثي للشعر في المنطقة ، كما إنه يشير كذلك إلى رفض البلادة الموجودة للأسف في العديد من القصائد الصاخبة ، فإنه كذلك يعمل على إفراغ الوعي من محتواه وسلب الجمال من النفوس ، ويجعل من المتلقي أسيرًا للحظة لا ملكاً للإبداع ، إن ابتعادي عن تتبع المسار التاريخي للقصيدة الحديثة في الشعر الشعبي عائد لعدة أمور ، لعل من أبرزها ندرة المراجع أو انعدامها في هذا المجال ,وما دام كل جيل يدعي أنه أفضل ممن سيأتون بعده, فمن الطبيعي أن يمارس هذا الادعاء الشعراء أنفسهم حينما يكون الأمر مرتبطاً بأمر يدور فيما بينهم ,ولو حاولت إعادة الأمر للشعراء سواء ممن شملهم هذا الموضوع أو ممن كانوا معاصرين له, فإنهم سيدخلونني في متاهات لاطائل منها ,وقد يتم تشويه أو ضياع هذا الجهد الذي بذلته في دراسة الجوانب الفنية في القصيدة الشعبية الحديثة ,علاوة على أن هذا الأمر بحاجة لباحث متفرغ ,كما أن تتبع المسار التاريخي لهذا النوع من الشعر يعتبر مسألة شكلية ,حيث يهتم هذا الجانب بتحول القصيدة النبطية من الإطار القديم إلى الإطار الجديد ,وعليه فإنه يجدر بنا البحث عن مسببات هذا التحول ,وهي معروفة ولا مبرر لذكر ما في هذا الجانب ,وكذلك لتوجب البحث كذلك عن مسوغات تحول المسمي من الشعر النبطي إلي الشعر الشعبي ,وكأن الذين تبنوا الحداثة في الشعر الشعبي تخلوا حتى من المسمى التاريخي القديم المعروف بالشعر النبطي ,لهذا فضلت عدم الحديث عن هذا الأمر مفضلاً الإبحار خلف مراكب الشعراء ,مقتفياً آثارهم في محاولة لاكتشاف ما يكتبون.
الملاحظ على نشوء هذه الحركة النجدية أنها جاءت مواكبة للتطور العمراني والحضاري والتطور الاقتصادي الذي حدث في المنطقة الخليجية, الذي عمل على تحويل المجتمع من مجتمع قروي بسيط أو مجتمع يدوي رعوي في الغالب إلى مجتمع متحضر, أي مجتمع يسكن الحاضرة بعد أن تخلى أغلب سكانه عن حياة التنقل في الصحراء إلى مجتمع يسكن بيوتاً سكنية جديدة لا عهد له بها في سالف الأيام, سواء تلك التي كانت مبنية من الخشب والصفيح والتي كانت تعرف بيوت “العشيش» أو “الصنادق” أو تلك المباني الإسمنتية التي أقامتها الحكومات في المنطقة للمواطنين بعد ذلك ,أي تلك التي كانت تبنيها الدولة لهم أو تدفع لهم الأموال الكافية لإقامة مساكنهم بالطريقة التي يشاؤون, لهذا واكب التطوير المادي للحياة في المنطقة تطويراً مادياً آخر طرأ على القصيدة ,حيث تحولت القصيدة من النظام التقليدي المعروف إلى نظام آخر جديد ,حيث استبدل الشاعر الشعبي الوحدة العروضية المتكاملة للبيت الشعري التقليدي وأحل مكانه نظام التفعيلة ,واستعاض عن البيت العربي أو النبطي المعروف بأسطر شعرية جديدة ,وهذه الأسطر الشعرية الجديدة تتكون من كلمة واحدة أو من كلمتين أو أكثر من ذلك, حيث تكون هذه الأسطر في بعض المرات طويلة بشكل ملحوظ كما هو الحال عند فهد المرسل أو محمد المرزوقي أو فهد دوحان, وفي بعض الأحيان يلجأ الشاعر الشعبي الحديث إلى التخلي عن نظام التفعيلة المعروف ويحل محله الإيقاع الموسيقي القريب من التفعيلة, كما هو الحال في بعض كتابات مسفر الدوسري الشعرية ,غير أنه ـ أي الشاعر الشعبي ـ لم يعمل على الإكثار من هذا التوجه في الغالب, علماً بأن الشاعر الحديث حينما استغنى عن وحدة البيت بوحدة التفعيلة, فقد اعتمد على البحور الشعرية الصافية, أي تلك التي لا تكون فيها التفاعيل مختلفة كالرمل والرجز والهزج والمحدث والذي يسميه البعض بالمستندات ,وهو الذي استدركه الأخفش على الخليل.
إن الأمر الذي دفع أنصار هذا النوع من الشعر ,هو أن الأنماط الشعرية التقليدية لم تعد كافية للتعبير أو مواكبة الأحداث المتطورة التي جرت للإنسان في المنطقة ,علاوة على أن الشعراء الشباب قد ملوا من الهجاء والمدح والفخر والرثاء والغزل الوصفي الساذج الذي يثير الغرائز ولا يحرك الروح, مع العلم أن عدداً منهم قد عاد لممارسة هذا النوع من الشعر كما هو الحال مع فهد عافت , وهذه الردة الفكرية التي حصلت مسألة أخرى ليس هذا مجال مناقشتها والحديث عنها, وأقول عود على بدء, إن الميل للكتابة بهذه الطريقة الجديدة عائد إلى بحث الشعراء المجددين عن مجالات شعرية أرحب, لم يعد الشعر التقليدي يتسع لتناولها ,لهذا اختلف مفهوم الشاعر الحديث للقصيدة عن مفهوم أسلافه من أن القصيدة “وزن ومعنى وقاف” وأن القصيدة لا تكون ناتجة إلا من خلال مناسبة كالرد على شاعر أو حث شاعر آخر على مجاراته أو لقاء فتاة عابرة في الطريق أو عند إشارة المرور, فلم تعد القصيدة عند الشاعر الشعبي الحديث وليدة موقف سواء كان هذا الموقف واقعي أو موقف يفترض وجود الشاعر, لقد اختلف هذا الفهم القديم, وتمكن الشاعر الحديث من تجاوز هذا الفكر والذي كان متعارفاً عليه في السابق, لذا نظر الشاعر الشعبي الحديث في منطقة الخليج, نظرة فنية للشعر تجاوز الفهم القديم السائد, حيث ارتبط الشعر لديه بإحباطات الإنسان المعاصر ,وارتبط كذلك بأحلامه وآماله ورغبته الجامحة لبلوغ الحرية وتحقيق العدل والمساواة, وصارت المرأة لديه سراً من أسرار الوجود وعالماً شعرياً خصباً, وعليه تحول الشاعر الحديث عما كان عليه سلفه من كونه صوتاً للقبيلة ومعبراً عن ضمير المجتمع ورغبات الناس, إلى أن يكون معبرًا عن صوت الإنسان في أعماقه, وصار الشاعر لا يكترث بأن ينال إعجاب المجتمع بكل شرائحه, حيث صار يحرص على تحقيق الموازنة المفقودة بينه وبين ذاته الكامنة في أعماقه, وهذا لا يعني أنه كان منعزلاً عن المحيط الخارجي الذي يعيش فيه, بل كان يرصد ويتأمل ما يدور حوله, ويحاول من خلال العودة إلى نفسه أن يشارك في رسم الواقع, ويعمل على تحقيق البناء الخلاق للعالم الذي يحيط فيه معتمداً على تفتيق المخبوء الساكن في جدارية اللغة من خلال مكاشفة الذات والاعتماد على الدلالات والإيحاءات المؤدية لذلك, حيث يعبر الشاعر عن أزمة وجودية نفسية بالدرجة الأولى, وعن إشكالية تواجديه تحكم علاقته مع العالم المحيط من حوله, ومن يدقق النظر في النصوص الحديثة لهؤلاء الشعراء يجد أن الشاعر الشعبي الحديث يعيش حالة من الانهزامية والإحباط , والإحساس بالهزة النفسية التي تفتح الجروح وتترك الدماء والدموع تملأ المكان, وذلك أن هذه الحالة التي يمر بها الشعراء غير قادرة على الحل, ولا تسعى أن تكون جزءاً من المشكلة، لهذا تدع كل شيء يسيل من مشاعر الشعراء على الورق كتعبير حي وصارخ عن موقفها الرافض للمجتمع، والذي كان يحركه القلق الموجود في العديد من تجارب الشعراء، كالقلق من الذات كما عند فهد عافت أو القلق من الحياة كما عند الحميدي الثقفي وخالد قماش أو القلق من الشعر كما هو عند مهدي بن سعيد حينما قال “أبغي أنتصر ليلة على حرب الكلام” وهذا القلق الحاصل في تجارب الشعراء هو قلق متفاوت لا يسير وفق وتيرة واحدة، فقلق ريمية لا يتناغم أو يتوافق مع قلق طلال حمزة وشتات محمد المرزوقي لا يتوافق أو يتساير- أي من المسايرة- مع حالة فهد المرسل وهكذا دواليك، وهذا القلق هو أهم ما يميز هذه التجربة ، حيث إن القلق بوابة التوتر ودليل على إحساس صاحبه بالتأزم الحاصل لديه، سواء مع الشعر أو الذات أو الحياة أو الإنسانية ومسألة الوجود الإنساني ككل، وهذا ما يثير فينا ثنائية الموقف سواء مع أصحاب هذه التجارب أو ضدها، باعتبار أن التجربة الشعرية الحقة هي تلك التي تحرض القراء والمتابعين على اتخاذ مواقف القبول أو الممانعة وطرح الأسئلة الكثيرة حول هذه التجربة أو تلك، وهذه الحالة الجديدة الطارئة على فهم الشعراء للشعر جعل أدعياء التقليدية يتمادون في التمسك بها، وأنا هنا لا أنفي التقليدية أو أعمل على محاربتها بقدر ما أعمل على تشخيص الحالة التي أراها أمامي، فالمتشبثون بالشعر التقليدي والتقليدية لا يعبرون بهذه التصرفات بأنها حية نابضة في النفوس، بقدر ما يؤكدون أنهم يعانون عن حالة موت دماغي لم تسعفهم على فهم ما يجري حولهم من تغيرات، الأمر الذي جعلهم يعيشون توهم بأن كتابة القصيدة أمر سهل وفي متناول اليد، وهذا الفهم لطبيعة العلاقة مع النص لم نره عند الشاعر الحديث الذي يشعر بأن ولادة القصيدة تمثل له صراعًا مريراً وزلزلاً نفسيًا لا يمر معه بهدوء وسلام، وهو ما وصفه مهدي بن سعيد بأنه حرب مع الكلام.
هناك نقطة لا يمكن إغفالها وهي أن عدداً من الشعراء يميلون لذكر أسماء في قصائدهم الحديثة وذلك إما من خلال توجيه الخطاب الشعري لديهم كما عند بدر صفوق وفهد دوحان، أو عن طريق إدراج أسمائهم في قصائدهم كما عند سعود الصاعدي والحميدي الثقفي، وكأن هؤلاء الشعراء يمرون بمفترق طرق، فلا هم الذين لديهم القدرة على التخلص من ماضيهم البدوي النبطي أو ماضيهم العربي الضارب بأعماق التاريخ المتعود على إيجاد الرفيق أو الصاحب، ولا هم الذين لديهم القدرة على تحمل أعباء الحياة بمفردهم ، لهذا يميلون لذكر هذه الأسماء في نصوصهم وذلك من أجل بث همومه لصديقه لأنه يعاني من هموم وأزمات نفسية وذلك من أجل توسيع مساحة البوح والمناجاة ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على اندماج الشاعر بهموم الناس ورغبته بأن تشاركه الناس همومه، وهناك نقطة لا يمكن المرور عليها بصمت ترتبط بهذا الموضوع، وهي أن هؤلاء الشعراء واقعون من حيث علموا أو لم يعلموا تحت تأثير التقليدية رغم هذا الميل الواضح للتجديد في الشعر الذي ينتهجونه، وهذا النهج في الكتابة يعيد إلى الذاكرة مسألة الراوي الذي كان يصاحب الشاعر في حله وترحاله، لهذا كان الشاعر كمن يفضي بكل همومه ويتحدث له أو من خلاله عن أدق تفاصيله ليكون السفير الأمين كما كان الراوي في السابق، أقول ليكون السفير الأمين بينه وبين الناس. ولو حاولنا التفكير بهذه الأسماء التي يطرحها الشعراء لتحولنا من فكرة إلى فكرة، ولفهمنا أن وراء هذا الاسم الموجود رمزًا دلاليًا يختبئ خلفه، وهو الذي يعنيه الشاعر في كلامه، وعندها ينتقل تعاملنا مع هذا المدلول من مدلول يحمل أمرًا ظاهرياً إلى مدلول يخرج عن السطحية، ويتمحور الحديث حول مدلول رمزي عميق يرتكز على إيماءات كان يعنيها الشاعر ، وهذا ما دفع البعض من هؤلاء الشعراء كبدر صفوق وفهد دوحان إلى الإفصاح عن هوية صاحب هذا الاسم من أجل ربط المتلقي بالعمل المطروح للقراءة، وهذه الحالة التي يكتب عليها الشعراء ناتجة عن شعور مزدوج بالحلم والاحساس بالخيبة ، الحلم النابع من تطلع الشاعر لحياة جديدة وإحساس بالخيبة مرتبط بالذات الفاعلة أو الصانعة للحياة وانعكاسه على الموقف الوجودي والروحاني المرتبط بالشعر، وذلك أن الشعراء يستغرقون في تخيل ما حولهم وما في دواخلهم منطلقين من الواقع الذي يعيشونه ومدققين النظر بالماضي الذي تركوه وراء ظهورهم من اجل فهم الحاضر الذي هم فيه، وفي بعض المرات محاولين استشراف المستقبل الذي لا يرونه، ولم يأت أوان اللقاء به بعد ، وعلى هذا فلا نجازف إذا قلنا بأن النص الشعبي الحديث خرج عن نمطية القصيدة النبطية التقليدية ولامس الفنون الأخرى كالموسيقى والفن التشكيلي، وهو في هذا الخروج اندمج بالأجناس الأدبية الأخرى ، ولم يقتصر على كونه قصيدة فحسب، بل أصبح عالماً مملوءاً بالحياة وهذا ما جعل لزاماً على الناقد أن لا يقف في قراءته للقصيدة الحديثة عند ما يريده الشاعر أو معرفة المعنى من هذا الكلام، لأن مثل هذه الممارسات سهلة التناول ، ومن الإمكان القبض عليها، بل أصبحت مهمة الناقد اكتشاف المخبوء والنفاذ إلى أعماق العمل المطروح للنقاش من اجل الوصول إلى الجمال واكتشافه، غير آبهٍ بتفسير الجمال، لهذا كان العمل منصبًا على الذات الغائبة عند الشعراء، تلك الذات التي حاول الشعراء من خلال اكتشاف أنفسهم عن طريقها محاورتها ، وعليه كانوا يتحدثون معها بكل عفوية بلغة شعرية مثقلة بالدلالات ، وهذا ما كنت أسعى إليه وأحرص عليه من أجل الوصول إلى اكتشاف العالم المخبوء خلف السطور وبين الكلمات لأنني اعتمدت على نصوص شعراء اكتملت تجاربهم الشعرية ولم تكن في طور التشكل.
لم يتبادر إليّ هذا السؤال التقليدي: ماذا يريد الشاعر؟ أو ماذا يقصد الشاعر من هذا الكلام؟
لأن مثل هذه الأسئلة لا تعبر عن محاولات لاكتشاف النصوص والتعرف عليها , ولا تحفز على سير النصوص والغوص في أعماقها , ويصبح من اليسير علينا أن نتجه مباشرة إلى الشاعر لكي يفسر لنا ما يقول ,وإذا كتبنا عنه حرفاً واحداً أرسلناه إليه من أجل أخذ موافقته ومباركته, ومن ثم السماح لنا بنشره بعد ذلك ,فأمثال هذه الأسئلة التسطحية تدل على ذهنية نمطية لا تكاد تتجاوز بأفرادها محدودية المضمون السطحي أو المعنى المباشر ,وهذا الفهم لا يضيف شيئاً للوعي لأنه ينبع من ذهنية مسبقة التفكير ,والقراءة النقدية المتميزة هي تلك القراءة الحرة ,وهي التي أشرت إليها في مقدمة كتابي إضاءات على قصائد شعبية “حيث تعتبر القراءة النقدية عالماً أدبياً متكاملاً موازياً لا تكميلياً اندماجياً مع النص الشعري “أي تلك القراءة التي تنطلق من النص ولا تعود إليه ,حيث إنها تكون بعد ذلك عملاً أدبياً كاملاً مستقلاً ,وهذا لا يكون مع أي نص شعري لأن بعض النصوص إسمنتية جامدة لا تحتمل إلا نظرة واحدة وهي نظرة الشاعر, ولا تعبر إلا عن رؤيته الخاصة ,ولا تمكن الناقد من الدخول إليها من نوافذ متعددة, حيث إن الرؤية الشعرية تعتمد على استكشاف المعاني النابضة بالحياة, ولملمتها من الشتات داخل النص الشعري كما هو الحال عند فهد دوحان على سبيل المثال لا الحصر ,وهذه الرؤية أشبه ما تكون بالحلم الذي لا تحده حدود ولا تحكمه قوانين جامدة تقيد حركته وتكبل انطلاقته, وعلى ضوء هذا الفهم لا بدّ من الحرث المتواصل في صيغ الشعراء وتعابيرهم الشعرية وذلك من أجل الوصول إلى هذه الغاية, وهذا ما كان العمل عليه بجلاء وتعب خاصة عند عمري الرحيل وفهد دوحان ومحمد المرزوقي وفي درجة أقل عند فهد المرسل وفهد عافت وبدر صفوق، وهكذا، وهذه الأمثلة التي أطرحها للتقريب وعلى سبيل المثال لا الحصر ، وهذا ما يؤكد الزعم الذي أتبناه في العديد من كتاباتي ، وهو إن النصوص الشعرية الحديثة ليست ترفًا فكريًا أو عبئًا سلوكيًا، بقدر ما هي ناتجة عن معاناة إنسانية نابعة من نزيف المشاعر ، أي إنها تعبير عن الإحساس بالتوتر والتأزم مع الذات والحياة على حد سواء ، وذلك أن النصوص أو المقاطع الشعرية المختارة للبحث والنقاش إنما تمثل أسئلة مفتوحة تتعلق بموقف الإنسان المعاصر من الوجود ، وهذه الأسئلة تظل على الدوام مفتوحة ومتواصلة باستمرار كاستمرار بقاء الإنسان على هذه البسيطة ، وهذا الانفتاح في تعامل الشاعر الشعبي الحديث مع الأسئلة ذات الصلة بالوجود ، إنما هدفها الخروج على الممكن والتطلع إلى المستحيل، ولهذا كنت لا أقرأ النصوص من أجل الاستمتاع فيها فحسب، بل من أجل العيش بين سطورها والتجول بين كلماتها ، لكي تكون لي عالماً آخر، أخرج فيه عن هذا العالم الذي أعيش فيه ، وذلك من أجل اكتشاف عالمي الجديد، وهذا ما كنت أريد تحقيقه وأسعى لبلوغه من خلال هذا الكتاب، وهو اكتشاف القارئ لما أكتب أكثر من الإعجاب بسطوره أو الانبهار بما أقول – ان حصل لي ذلك – وأظن أن الشعراء يوافقونني هذا التوجه وهو إننا لا نسعى لجلب التأثر اللحظوي العابر في نفوس القراء والمتابعين، بقدر ما نسعى لفتح مساحة من الضوء في النفوس والقلوب والعقول من أجل الإبحار والسفر والانتقال من عوالم القصائد المسطحة والارتماء غوصًا وإبحارًا وتعمقاً في أدق تفاصيل ما نكتب، ولعلي حينما أمارس دور الناقد على هذه النصوص ، إنما أقوم بمارسة دور الناقد على الناقد، وبمعنى أشد توضيحًا لهذه النقطة ، أقول إن الشاعر المبدع هو ليس ذلك القابض على زمام الكلام والمتمكن فيه وكفى، بل هو ذلك القادر على تفحص العالم وانتقاده ، ووضع التصورات الخاصة به حيال ما يرصد ، بدءًا من ذاته ومروراً بها إلى الشعر ، ومن الشعر والذات ينعطف على كل شيء آخر مهما كان ذلك الشيء صغيرًا أو كبيراً وعلى هذا الأساس سأعترف بأمر ما لابد من الانصياع له وعدم السكوت عنه وهي أنني وقفت على نفس الركيزة التي وقف عليها الشعراء والتي شكلت لي الدعامة في فهم هذه النصوص ، غير أنني وقفت عليها من الجهة الأخرى ، أي من الضفة الأخرى للساحل الآخر وهي ركيزة الغوص في الحياة، ومحاولة سبر أغوار النفس البشرية وذلك من خلال الاعتماد على اللغة التعبيرية لا الوصفية ، وهذا ما كنت أعمل عليه، لكن من الوجهة المقابلة وهي وجهة ثنائية تعتمد على الممارسة النقدية القائمة على قراءة النصوص علاوة على الجانب التنظيري الذي كنت أعرض له هنا وهناك، ولا أحرص عليه كثيرًا ، لأنني كنت منشغلاً بالممارسة أكثر من التنظير، ولم أكن أحرص على الكتابة بقدر ما كنت أسعى لمحاورة النصوص والحديث معها وعنها وإليها ، لإيماني بأنها تشكل عوالم متعددة منتشرة في كيان الشعراء ، وهذا ما كنت أدأب عليه لاكتشاف هذه العوالم ، ولهذا تصدمنا هذه النصوص بحالة من الإرباك النابع من قلق الشاعر وتوتره ، وهذا الإرباك يصيبنا بالشعور بالزلزلة الداخلية، وهذه الزلزلة لا تعمل على تمزيقنا والحكم علينا بالشتات، بل تعمل على تقويتنا من الداخل من خلال تعميق ثقتنا بالجمال والإبداع وعليه فإنها تساهم في ردم المسافة بيننا وبين أنفسنا، وتعمل على لملمتنا وإيصال الجسور المتباعدة في ذواتنا ، لأنها تعمل على كشفنا أمام أنفسنا ، والتعريف بحقيقتنا التي نغفل عنها ، وعلى هذا حينما نكتشف هذه النصوص فإن ذلك يكون من أجل أن يظل ذلك العمل الاكتشافي عملاً متصاعدا يرقى بنا في الوقت الذي نرتقي فيه أيضًا .
 

اضافة تعليق

الاسم

البريد الالكتروني

التعليق